ترامب وتفضيلات الناخبين اليهود

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثناء مغازلته للناخبين الأمريكيين اليهود، يكرر الرئيس دونالد ترامب التذكير بفضائله على إسرائيل في فترة ولايته الأولى، وضمن آخر تجليات خطابه المفعم بالمن وطلب الامتنان، ما ذكره أمام مؤتمر للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك)، معتبراً نفسه أكثر الرؤساء الأمريكيين صداقة لإسرائيل، «فقد اعترفت بالقدس عاصمة أبدية لها، ونقلت إليها سفارة واشنطن، وأقررت بالسيادة الإسرائيلية على الجولان وبشرعية الاستيطان في الضفة، وكنت أول رئيس أمريكي ينتقل من الأقوال إلى الأفعال».

والظاهر أن ترامب قد اكتسب خلال عهدته الأولى خبرة، جعلته يضيف جديداً إلى محاولة استمالة الطائفة اليهودية. يعبر عن هذا المستجد، تحذيره من أن فوز أحد منافسيه الديمقراطيين «سوف يفقد اليهود مشاريعهم خلال ربع ساعة، لأنه سيفرض ضريبة ثقيلة على الثروات». هنا يعزف ترامب على وتر ينال أولوية قصوى بالنسبة لهذه الطائفة.

هذه الانعطافية تعني أن الرئيس الأمريكي بات وفريق حملته الانتخابية، على دراية كافية بتفصيلات التصويت في جولة العام 2016. وكيف أن أكثر من 70% من الناخبين اليهود صوتوا لصالح منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، وأن وعوده لإسرائيل لم تجد في هذا الإطار نفعاً، وعليه، نحسب أن الرجل آثر مشاغل هؤلاء الناخبين عبر المدخل الاقتصادي المالي، الذي لا يضل الطريق إلى خياراتهم، فبلغة الأرقام، لا يمثل هؤلاء الناخبين أكثر من 2% من قوام المجتمع الأمريكي؛ لكنهم يستحوذون بتأثيراتهم على ما يقرب من ثلث اقتصادات هذا المجتمع.

إذا صح هذا التصور، ونزعم صحته، فإن ترامب يكون قد أحسن استخدام اللغة التي يجيدها، لغة حسابات عالم المال والأعمال، وطرق على عصب شديد الحساسية لدى اليهود الأمريكيين المنغمسين في هذا العالم إلى الأذقان.

على الرغم من هذه اللمحة الذكية، إلا أن شكوكاً تراودنا بشأن حدود إدراك ترامب لتحولات العلاقة بين اليهود في بلاده وبين إسرائيل، فالادعاء الإسرائيلي بتمثيل يهود العالم، لا يستقبل راهناً بالإذعان عند كثير من الأمريكيين اليهود. يقول ترامب إن نسبة تأييده تصل إلى نحو 98% بين الإسرائيليين، ويمضي ساخراً إلى أنه إذا تم عزله عن الحكم في البيت الأبيض، فإن لديه فرصة لتولي رئاسة الوزراء في إسرائيل!

هذا التأسرل الفائض الذي يبديه ترامب يشي بنوع من الحيرة واللا إدراية لديه، إزاء كيفية الوصول إلى تطويع إرادة الناخب اليهودي، فمع أن سيد البيت الأبيض اهتدى إلى أحد أهم كلمات السر تأثيراً على هذا الناخب، التي اتفقنا على أنها تتعلق بالثروة والنفوذ الاقتصادي، إلا أنه ما زال مشدوداً إلى التوسل بتأييد إسرائيل. وإذا ما ظل عاكفاً على هذا الانشداد، فأغلب الظن أنه لن يحظى من اليهود في انتخابات نوفمبر لهذا العام، بأكثر مما حظي به في معمعة العام 2016.

علة هذا التقدير أن قطاعاً كبيراً من اليهود الأمريكيين ما عاد يستسيغ التحيز الجارف لإسرائيل، ويراه مجافياً للمصالح الأمريكية طويلة الأجل، ويميل إلى حل الدولتين كطريق آمن لخلاص إسرائيل من الهم الفلسطيني المقيم على رأسها، ثم أنه يمقت الخطاب الموشي بالتعصب العرقي والطائفي والديني واللوني، فضلاً عن اللهجة العدائية تجاه المهاجرين؛ الذي يتبناه ويبثه ترامب وبطانته بوعي ومن دون وعي. اليهود يخشون من استطراد هذا الخطاب التمييزي إليهم هم أنفسهم في الوسط الأمريكي، كونهم في التحليل النهائي يمثلون أقلية مرشحة بمعان مختلفة للخضوع للقيم والمثل المنحرفة التي يطرحها.

في أحد كلماته الشعبوية، رمى ترامب اليهود الذين يؤيدون خصومه من الحزب الديمقراطي بالخيانة، الأمر الذي أثار موجة من الغضب ضده والتلاسن معه، والعبرة في هذا السياق، إن ثقافة التعصب ومنظورات التطرف واللاموضوعية، تقود أصحابها إلى مناطق خطرة على السلمين، الاجتماعي الأهلي في الداخل، والدولي العابر للأطر السياسية في الخارج. ولا ريب في أن زيادة معدلات العنف ضد بعض الشرائح في المجتمع الأمريكي، بما فيهم اليهود، توجب الاعتقاد في وقوع ترامب وإدارته في هذا المحذور، فالرجل ومحازبوه يرون الغابة ويستعمون عن تفصيلاتها، ومنهجية كهذه تجعلهم يضعون يهود الولايات المتحدة ويهود إسرائيل في سلة واحدة، فيما الحقيقة غير ذلك تماماً، ويوم التصويت على الرئاسة في نوفمبر المقبل يذوب الثلج ويظهر المرج.

* كاتب وأكاديمي فلسطيني

Email