«كورونا».. والاقتصاد العالمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

على الرغم مما يقال حول الحرب البيولوجية بين القوى الاقتصادية الكبرى في العالم، فالمتضرر الأكبر الآن هو الاقتصاد العالمي، الذي أصابه الهلع والفزع من سرعة انتشار فيروس كورونا، كما أصاب ملايين البشر بالخوف الذي أصاب حتى كتابة هذه السطور نحو 89 ألف شخص، تُوفي منهم بسبب الفيروس ما يقرب من 3 آلاف شخص وتم تعافي 45 ألفاً آخرين.

فهل هناك من مستفيد من انتشار مثل هذه الفيروسات؟

بالتأكيد هناك الشركات الضخمة العابرة للحدود في تجارة الأدوية ومستلزمات الوقاية من الفيروس، والتي حققت مليارات الدولارات حتى الآن من الترويج لعلاج أو طرق وقاية من الفيروس الجديد، الذي يتشكك البعض من خبراء الاقتصاد والسياسة بأنه سوف ينتهي فجأة كما ظهر فجأة، وهو الحال نفسه مع ظهور فيروسات «سارس» وإنفلونزا الطيور وجنون البقر ثم اختفت فجأة أيضاً دون معرفة الأسباب أو ظهور علاج أو مصل لها! البعض أيضاً يتجاوز في تحليله لانتشار فيروس كورونا ويعزوها إلى الحرب التجارية الكبرى في العالم وبين أكبر قوتين اقتصاديتين تتنافسان على الهيمنة الاقتصادية، وهما بالطبع الصين والولايات المتحدة الأمريكية اللتان تستحوذان معاً على ما يزيد على 40% من الاقتصاد العالمي،

لكن ما يحدث الآن هو عملية إرباك واضطراب كبيرة للاقتصاد العالمي، الذي كان من المتوقع له الانتعاش والعودة إلى النمو من جديد خلال العام الجاري والعام المقبل،

فأسواق المال العالمية طالتها الأزمة بعد شركات الطيران والسفر والسياحة، وتعيش البورصات العالمية على وقع أزمة تشابه أزمة 2008 مع أزمة الرهن العقاري إلى حد أن نحو 500 شخص من أغنياء العالم فقدوا أكثر من 444 مليار دولار خلال أسبوع، بينما قاربت الخسائر السوقية الإجمالية للبورصات العالمية نحو 5 مليارات.

الخسائر الاقتصادية لا تتعلق فقط بأسواق المال إنما امتد آثرها إلى القطاع السياحي العالمي الذي تضرر من إغلاق بعض الدول حدودها بما يؤثر أيضاً على حركة الطيران وحركة البضائع، وبالتالي عملية الإنتاج والمصانع وفقاً لمديرة صندوق النقد الدولي، كريستينا جورجيفا، التي أكدت في تصريحات صحفية قريبة أنه في حالة عدم احتواء الفيروس فإن ذلك سيؤثر على السياحة، التي تعاني حالياً.

كل ذلك يدفع عدداً من المؤسسات الاقتصادية الدولية إلى التوقع بانخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، خلال الربع الأول من عام 2020 استمراراً للتداعيات السلبية لفيروس كورونا.

وتتوقع المؤسسات الاقتصادية أن يكون أكثر الاقتصادات المتضررة هو الاقتصاد الصيني، تليه الأسواق الناشئة في أسيا، والاقتصاد الأمريكي والأوروبي، بينما تصبح اليابان أقل الدول تأثراً بتلك التداعيات.

وتقول مسودة البيان الختامي لاجتماع مجموعة العشرين في فبراير الماضي: إن المسؤولين الماليين للاقتصادات العشرين الأكبر في العالم يتوقعون تحسناً متواضعاً للنمو العالمي في العامين الحالي والمقبل، لكن وباء فيروس كورونا قد يهدد ذلك، لكن تظل التخوفات العالمية من أن استمرار انتشار الفيروس وعدم مواجهته من الدول الكبرى قد يطال صناعات آخرى، وهو ما حذرت منه مجموعات التكنولوجيا وشركات صناعة السيارات وشركات الطيران؛ فإن التكهنات انتشرت منذ نحو عام في الأوساط الاقتصادية العالمية، في محاولة لتوقع السبب الذي سيثير اندلاع الأزمة الاقتصادية المقبلة، والآن جاء فيروس كورونا لينعش التوقعات.

المفارقة أن ظهور فيروس كورونا جاء في الدول التي من المفترض أن تكون الأكثر تقدماً في الجوانب الصحية والطبية والأكثر استعداداً لمواجهة الكوارث الطبية، وهو ما يفرض عليها ضرورة اتخاذ موقف وقائي موحد، لأن استمرار الوضع الحالي الطارئ سوف يتضرر منه الجميع بلا استثناء وخاصة الدول الأقل قدرة على المواجهة.

كما تجدر الإشادة بما قامت به دولة الإمارات ومصر، اللتان اتخذتا إجراءات وقائية سريعة، وأعلنتا استعدادهما التام لمواجهة الفيروس الجديد، وهو ما أشادت به منظمة الصحة العالمية.

المطلوب الآن وليس غداً أن يتحرك العالم ككتلة واحدة لمواجهة الرعب الجديد إذا أراد أن يعود الانتعاش للاقتصاد مرة أخرى، ففي هذه الحالة الكل مستفيد.

 

 

Email