ملك ماليزيا وأحلام مهاتير وتحالف الضرر

ت + ت - الحجم الطبيعي

مؤخراً قدم رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد استقالة مفاجئة من منصبه إلى ملك ماليزيا الذي قبلها، مطالباً إياه الاستمرار بمهامه منعاً لأي فراغ دستوري.

هذه الخطوة لم تكن متوقعة من رجل عـُرف عنه شراهته للسلطة إلى درجة أنه قلب الطاولة على حزب «المنظمة الملايوية الوطنية المتحدة» (أومنو UMNO)، وهو الحزب السياسي الذي نشأ به، وصعد من خلاله إلى السلطة وحكم باسمه نحو ربع قرن، وذلك حينما أسس في مطلع يناير 2018 حزباً جديداً (حزب بيرساتو) ودخل به ائتلافاً سياسياً تحت مسمى «تحالف الأمل» مع أربعة أحزاب أخرى، أبرزها حزب «عدالة الشعب» بقيادة ألد أعدائه أنور إبراهيم، لخوض الانتخابات العامة وإطاحة رئيس الحكومة السابق نجيب رزاق بحجة الفساد، والمعروف أن الائتلاف المذكور فاز في انتخابات مايو 2018 وتم الاتفاق حينها أن يقود مهاتير ماليزيا لمدة عامين يسلم بعدها سلطاته لإبراهيم الذي كان يوماً ما مرشحاً لخلافته لولا الدس ضده واتهامه بتهم شنيعة، يأنف منها المسلمون الماليزيون.

والحقيقة التي لا جدال فيها أن استقالة مهاتير أربكت المشهد السياسي الماليزي مثلما أربك حلفاءه وأولئك المتخندقين وراء إبراهيم ممن يتوجسون خوفاً من عدم التزام مهاتير بوعوده حول من سيخلفه خصوصاً أن في سجله السياسي الكثير من الحوادث المشابهة.

ما تردد في ماليزيا على خلفية الحدث المفاجئ أن أنصار إبراهيم شددوا من ضغوطهم مؤخراً على مهاتير لتسمية إبراهيم رسمياً خليفة له مع تحديد تاريخ محدد لإجراءات الاستلام والتسليم، خصوصاً في ظل بعض التسريبات بأن مهاتير لا يجد في إبراهيم الشخصية المناسبة لقيادة ماليزيا مستقبلاً، ويفضل عليه سياسياً آخر من أتباعه.

وعليه يمكن القول: إن تلك الضغوط كانت دافعاً لتكتل أنصار مهاتير ومحازبيه السياسيين خلف الأبواب المغلقة، للبحث في كيفية إبقاء السلطة بيد مهاتير لسنوات أخرى مقبلة، ومما قيل إن المجتمعين توصلوا إلى ضرورة فتح قنوات اتصال مع زعماء «أومنو» لتشكيل ائتلاف حكومي بديل عن الإتلاف الحالي.

من جانبه أوضح مهاتير أن تحركات أنصاره كانت من دون علمه، مضيفاً أنه لن يضع يده مرة أخرى بأيادي من تلطخت سمعتهم بالفضائح المالية في إشارة إلى زملائه القدامى في حزب «أومنو» الذي حقق الاستقلال لماليزيا وقادها على مدى 6 عقود، لكن سرعان ما تبين للعالم عكس ما صرح به مهاتير، ففي خطاب متلفز له في 26 يناير دعا الزعيم التسعيني المستقيل إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لا تتبع أي حزب أو سياسي، وهو ما فسره أنصار إبراهيم وآخرون كثر بأنه مصادقة مهاتيرية لتحركات أنصاره المذكورة آنفاً، بل محاولة منه للتهرب من وعوده بتسليم السلطة إلى إبراهيم.

ولعل ما زاد في اتساع رقعة الخلاف أن إبراهيم خرج بتصريح قال فيه: إن ثلاثة أحزاب شريكة في «تحالف الأمل ترشحه هو، ليقود ماليزيا».

وهكذا شـُرعت الأبواب للمزيد من الاحتقان السياسي، وتوقع الكثيرون أن المخرج هو صدور قرار ملكي بالدعوة إلى انتخابات جديدة، لا سيما أن مهاتير ليس بالرجل الذي يقبل الهزيمة، ناهيك عن أنه جاء بأجندة سياسية خارجية جديدة يريد أن يرعاها ويقطف ثمارها.

وهنا أشارت بعض المصادر إلى مخاوف مهاتير من أن يسلك إبراهيم ــ إذا ما تسلم قيادة البلاد ــ سياسة خارجية بعيدة عن محور كوالالمبور ــ أنقرة ــ طهران ــ الدوحة (الذي دعمه مهاتير)، بما في ذلك التماهي مع سياسات واشنطن في الشرقين الأوسط والأقصى، خصوصاً أنه ارتبط بعلاقات وثيقة مع واشنطن يوم أن كان نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للمالية قبل أن يقصيه مهاتير من منصبه ويلطخ سمعته، لكن العاهل الماليزي فاجأ الجميع في 29 فبراير بتسمية المشرع ووزير الداخلية السابق محيي الدين ياسين رئيساً جديداً للحكومة، علماً بأن الأخير يشغل منصب نائب رئيس تحالف الأمل، وفي الوقت نفسه هو زعيم أحد الأحزاب المكونة للتحالف، وكان نائباً لرئيس الحكومة من 2009 إلى 2015، ونائباً لرئيس حزب «أومنو»، ناهيك عن أن علاقته بمهاتير شهدت صعوداً ونزولاً.

وفي اعتقادنا أن قرار الملك استهدف وضع حد لتغول مهاتير السياسي والإتيان بشخصية تقف على مسافة واحدة بينه وبين إبراهيم، أو هكذا يفترض حتى الساعة، مع عدم استبعاد أن يميل محيي الدين نحو أحدهما مستقبلاً بحسب اتجاه الرياح السياسية.

 

 

Email