لهذه الأسباب يتراجع التيار القومي

ت + ت - الحجم الطبيعي

قبل أيام حضرت جلسة مع عدد من الأصدقاء من مختلف التيارات السياسية والفكرية، دار فيها حوار صاخب حول الأسباب التي أدت إلى تراجع الحلم بالوحدة العربية في منطقتنا العربية، وتضاؤل نفوذ التيار القومي، الذي يعد من ثوابته الدعوة للوحدة العربية.

وربما كان للمصادفة دور في سخونة الحوار، إذ إن الجلسة جاءت في يوم 22 فبراير في الذكرى 62 لإعلان الوحدة بين مصر وسوريا، فضلاً عن السبب الجوهري الذي كان الشرارة التي أطلقت الحديث برمته وهو الدهشة التي أبداها البعض من التجاهل الشعبي والرسمي لتلك المناسبة، ولم يحتفل بها سوى عدد محدود من الشعراء السوريين، تجمعوا في مقر حزب التجمع في قلب القاهرة، لإلقاء قصائد حنين ورثاء في الوحدة العربية المفقودة.

تم الاتفاق بين الحضور على أن الهدف من هذا الحوار هو رصد موضوعي دون تبرير، للأخطاء التي قادت لفشل أول تجربة وحدوية في التاريخ العربي المعاصر وإجهاضها، قبل أن تكمل عامها الثالث. والسعي لعدم تكرار تلك الأخطاء، التي يعد التيار القومي طرفاً أصيلاً في أحداثها، ولاستخلاص الدروس المستفادة منها بالنظر إلى مستقبل دول المنطقة.

وحينذاك بدا الحوار، وفيما يلي النتائج المستخلصة منه:

*إن فكرة الوحدة المفاجئة بين مصر وسوريا، لم تكن هدفاً مبدئياً وليست سوى مناورة وصراع على السلطة بين القوى السياسية المتعددة داخل سوريا، وأن عبدالناصر فوجئ بهذا المطلب السوري، الذي برره ضباط سوريون، بالخشية من انقضاض الشيوعيين على السلطة.

ووفقاً لشهادة د. هدى عبد الناصر، فقد اعترض الزعيم عبد الناصر على الضغوط السورية بالقول، إن الوحدة لا تقام على أساس عاطفي، وأضاف، أنها تحتاج لسنوات خمس للإعداد لها، وما تلى ذلك من سرعة هائلة في إتمامها معروف للجميع.

*إن حزبي البعث العربي الاشتراكي، حاملي لواء الدعوة القومية في العراق وسوريا دخلا في صراع دام بينهما على التسلط والنفوذ.

ولم يقتصر ذلك الصراع على نطاقهما الجغرافي فقط، بل امتد إلى فروع الحزبين في البلاد العربية، وأدخل أعضاؤهما، تلك البلاد في خصومات القطرين القوميين، التي لم تكن بالضرورة في خدمة مصالح بلدانهم. وليس سراً أن الولاءات لتلك الأحزاب كانت تقام على مصالح شخصية واصطفائية لا تخلو من بيع وشراء!

*إن التيار القومي، لم يمتلك الشجاعة الكافية حتى الآن لكي يقدم نقداً ذاتياً لأفكاره وممارساته داخل السلطة وخارجها، وبالذات بعد كارثة الغزو العراقي للكويت الذي قسم الأمة العربية، وأسقط مصطلحي الوحدة والقومية من قواميس الحاضر، بعدما باتا صنوين للغزو والضم بالقوة المسلحة.

ولم يكن غزو العراق واحتلاله سوى أحد أبرز نتائجه المأساوية، ليغدو أغلى الأماني الوحدوية الآن أن يتوقف الاحتراب الأهلي به، وأن تتوحد محافظاته، وأن تعود إدلب جزءاً من الوطن السوري.

*إن التيار القومي لايزال على امتداد الساحة العربية يتحالف مع التيارات الدينية المتطرفة التي ترفع السلاح في وجه أنظمتها، سواء كانت جماعة الإخوان أو حزب الله أو حركة حماس، بادعائها أنها ضد إسرائيل، على الرغم مما خلفه هذا التحالف من مآس وكوارث تعاني منها شعوب المنطقة، وخرجت جحافلها إلى الميادين رفضاً لساستها ولنظمها الطائفية. ولم تكن إسرائيل سوى المستفيد الوحيد من وراء هذا التحالف، الذي تعزز به وبغيره إجراءاتها العنصرية كدولة يهودية في مواجهة منظمات دينية تحتمي بالدين.

*إن شعار ثوابت الأمة، الذي يرفع التيار القومي لواءه، كان ولم يعد يعني شيئاً، فهو يضفي قدسية على شعار سياسي، ويحصنه ضد النقد، ويسعى لفرضه على الجميع بوصفه مسلمات لا يحق لأحد الاختلاف بشأنها أو مراجعتها.

وتشهد ساحات العمل السياسي العربي ومنظماته الشعبية والرسمية، كيف استخدم هذا الشعار كثيراً في ملاحقة لا تخلو من عنف لفظي وبدني، وتشهير وتخوين بمن يعتبره هؤلاء خصوم التيار القومي، أو من يجادلونه حول أفكاره، تماماً كما يصادر التيار الديني مخالفيه في الرأي ونقاده وحكامه، ويكفرهم ويصمهم بالخروج على ثوابت الأمة، مع أن الدولة الوطنية الحديثة تحكم الشعوب وفقاً لدساتير وقوانين تصون الحقوق وتحدد الواجبات طبقاً لمشتركات وطنية تحددها تلك الدساتير والقوانين.

تلك هي بعض أسباب تراجع التيار القومي، فما رأيك أنت عزيري القارئ؟

* رئيسة تحرير صحيفة «الأهالي» المصرية

 

Email