تسييس دراسات الشرق الأوسط في أمريكا

ت + ت - الحجم الطبيعي

تواجه دراسات الشرق الأوسط هجمة سياسية من عدة قوى يمينية في الولايات المتحدة بسبب ما تسميه محاباة الإسلام وعداوة هذه الدراسات لإسرائيل. وقد بدأت الحملة منذ أمد حين حصلت الأحداث الإرهابية للحادي عشر من سبتمبر 2001.

ويتهمون هذه الدراسات بأنها أخفقت في توقّع جنوح الإسلام إلى العنف بسبب الممالأة التي تعطيها هذه الدراسات للإسلام والعرب. وان افتقاد الموضوعية في هذه الدراسات أدت إلى اختلال المعايير. وقد أدى هذا الاختلال المعرفي إلى استنتاجات خاطئة أعمت عيون الباحثين وصناع القرار عن الخطر الإسلامي الداهم.

وقد قاد الحملة ضد الدراسات الشرق أوسطية عدة أشخاص ينتمون إلى اليمين الصهيوني والذين ضاقوا ذرعاً بما يروه تحيّز هذه الدراسات ضد إسرائيل وسياسة الولايات المتحدة الخارجية. ومن أبرز المروجين لهذه الأفكار هو مارتن كريمر وهو إسرائيلي من أصل أمريكي. وكان كريمر مديراً لمعهد موشى ديان والذي يشتبه في علاقاته مع الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية. وقد تخرج كريمر من جامعة برينستون المرموقة على يد المستشرق البريطاني-الأمريكي الراحل برنارد لويس الموالي لإسرائيل، والذي أسهم في تشويه صورة الإسلام والعرب في الولايات المتحدة.

 

أما الشخص الآخر والذي شارك في الحملة ضد الدراسات الشرق أوسطية هو دانيال بايبس. ويعمل الأخير رئيساً لمركز أبحاث منتدى الشرق الأوسط. ويتمتع بايبس بعلاقات مع أفراد يعرف عنهم عداؤهم السافر للإسلام والمسلمين. ويتفاخر بيبس بعلاقته مع زعيم الإسلام فوبيا في أوروبا قاطبة عضو البرلمان الهولندي خيرت فيلدرز. وهذا الأخير زعيم لحزب الحرية والذي يعادي المسلمين ويصف المغاربة في هولندا بالرعاع وأكثرهم حثالة.

وقد أسس بايبس بالتعاون مع كريمر موقعاً على الإنترنت يسمى مراقبة الجامعات. ويسعى الموقع إلى مهاجمة مراكز دراسات الشرق الأوسط في الجامعات الأمريكية. ويعتقد بايبس أن هذه المراكز موبوءة بأساتذة من العالم الثالث والذين يعادون الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل. وأن على الحكومة الأمريكية تغيير هذا التوجه.

وقد نشر موقع مراقبة الجامعات حينها قائمة سوداء بأساتذة الجامعات للدراسات الشرق أوسطية والذين اتهموا بالمعاداة للولايات المتحدة مما نعت نقاد هذه الحركة بالمكارثية الجديدة. وشملت هذه القائمة أساتذة وباحثين ينتقدون تصرفات الولايات المتحدة في الخارج وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية. كما أن التهم تشمل دراسة الإسلام بشكل متحيز وعدم انتقاد الإسلام والتطرف الديني في الشرق الأوسط.

أما رفيق دربه كريمر فإنه يعتقد أن مشكلة الدراسات الشرق أوسطية تكمن في التأثير الكبير الذي تركه المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد وكتابه الاستشراق. وان سعيد استطاع أن يخضع هذه الدراسات لمفاهيمه الراديكالية والمعادية للغرب وإسرائيل. ويضيف كريمر أن الاستشراق ساعد كثيراً من العرب والمسلمين للحصول على مناصب أكاديمية رفيعة وأدى إلى هيمنتهم على هذا المجال المعرفي.

وقد حاول السناتور اليميني السابق ريك سانتورم تقديم مشروع قرار في مجلس الشيوخ لقطع المساعدات من الجامعات والأساتذة والطلبة الذين يجاهرون بنقد إسرائيل. حيث إن الحكومة الفيدرالية تقدم معونات مالية لأقسام الشرق الأوسط لتعليم اللغات الأجنبية المهمة للأمن القومي الأمريكي.

يرى أصحاب هذه الحملة أن الأمر يكمن في تمرير مشروع قرار يهدف إلى تقنين دراسات الشرق الأوسط في الجامعات الأمريكية عبر استخدام المساعدات المالية التي تقدمها الحكومة الأمريكية لهذه المراكز. وفعلاً نجح أصحاب الحملة من تمرير مشروع قرار (HR 3077) في مجلس النواب للحد مما يروه تطرف الدراسات الشرق الأوسطية وانحيازها إلى العرب والمسلمين. ولكن مجلس الشيوخ عرقل القرار والذي كان سيحدد ماذا سيدرس في الجامعات الأمريكية.

ويقوم هؤلاء برصد المناهج التي تدرس في الجامعات الأمريكية لاسيما ما يتعلق بدراسات الشرق الأوسط. وبالإضافة إلى ذلك، فإن موقع مراقبة الجامعات يقوم بمتابعة الأحداث والنشاطات التي تقوم بها أقسام الدراسات الشرق أوسطية والنشاطات الثقافية والعلمية للطلاب بهذه الجامعات. وتنشر تقارير للكشف عن التحيز ضد السياسات الأمريكية والإسرائيلية.

واليوم وبعد مرور فترة عن تلك المحاولة لتسييس الدراسات الشرق الأوسطية، تقوم إدارة الرئيس دونالد ترامب بمحاولة أخرى لتقنين الدراسات الشرق الأوسطية. وسنتحدث في الأسبوع المقبل عن هذه المحاولة الجديدة، وهل ستنجح جماعات الضغط لتمرير هذه القرارات لتسييس الدراسات الشرق الأوسطية في الجامعات الأمريكية.

* كاتب وأكاديمي

Email