مسارات الحل في ليبيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن أفق الحل السياسي للأزمة الليبية يضيق يوماً بعد الآخر، ففي ظل إصرار المجتمع الدولي على أن الحل في ليبيا لابد أن يكون سياسياً، إلا أن الشواهد تقول خلاف ذلك تماماً.

فايز السراج رئيس حكومة ما يسمى بالوفاق الوطني، يصر على تكسير كل قواعد التفاوض، لم يلتزم بأية بنود مما نصت عليها طاولات التفاوض الدولية، فقد انسحب من مفاوضات 5+5 في جنيف، في رسالة تؤكد عدم إيمانه بالحلول السياسية، فضلاً عن تخليه عن مخرجات مؤتمر موسكو، وبرلين، وضرب عرض الحائط بقرار مجلس الأمن الذي يطالب بوقف إطلاق النار وتفكيك الميليشيات، وطرد المقاتلين والإرهابيين الأجانب من الغرب الليبي، ومنع الأطراف الخارجية من دعم أي طرف من الفرقاء الليبيين.

تصرفات السراج هذه، ليست من بنات أفكاره، بل هي تنفيذ لاستراتيجية مشتركة بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

الشواهد الأخيرة، وتقاطعات أنقرة، وحساباتها في الداخل والخارج سيما التي تتعلق بالخلافات التركية بداية من روسيا، والولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد الأوروبي، تؤكد أن أردوغان يحاول الهروب من هذه المشكلات التي تحاصره بالسيطرة على أوراق الأزمة الليبية، وذلك سعياً إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب الاقتصادية التي هو في أمس الحاجة إليها، وخاصة بعد انهيار الليرة التركية من ناحية، وتراجع الاستثمارات، وارتفاع معدل التضخم، والبطالة من ناحية أخرى.

ما يبرهن ذلك حصوله على 2.7 مليار دولار من حكومة السراج لتعويض عما أسماه ديوناً مستحقة للشركات التركية على الدولة الليبية قبل عام 2011، فضلاً عن سعيه للحصول على 15 مليار دولار إضافية قبل نهاية يونيو المقبل، وهذا ما دفع القبائل الليبية لإغلاق حقول آبار الهلال النفطي، وحقل الشرارة حتى يتم الاتفاق على توزيع عادل للثروة وعائدات النفط الليبية.

إلى ذلك يواصل السراج وضع العراقيل، وإشعال المواقف عبر استقدام المزيد من الإرهابيين والمرتزقة عبر السفن والطائرات التركية، وهذا يحدث بالتوازي مع قيام أردوغان بتركيب أنظمة دفاع جوي في مطار طرابلس، ومعيتيقة بهدف الاستعداد لمعركة يصفها إعلام أنقرة بأنها ستكون فاصلة في حسم الغرب الليبي لصالح تحالف السراج - أردوغان.

في الوقت نفسه يقودنا أيضاً إلى هذا الانسداد السياسي ما صرح به أردوغان في الأيام الماضية أمام اللجنة البرلمانية لحزبه بشأن العودة مرة أخرى إلى حدود ما قبل اتفاقية لوزان 1923 في المنطقة، حيث يريد السيطرة على حدود الموصل، وإدلب وحلب مروراً بمصراته وطرابلس، ووصولاً إلى جزر القرم شمالاً.

إذاً نحن أمام عقلية منعزلة تماماً عن الواقع، تشكل حجر عثرة أمام أية جهود سياسية أو تفاوض بين أطراف القضية الليبية.

وسط تعقيدات المشهد على الأرض، فإننا نرى أن حل الأزمة الليبية لابد أن ينطلق من المسارات التالية:

- الالتزام بمخرجات كل المؤتمرات التفاوضية بدءاً من موسكو وبرلين وصولاً إلى قرار مجلس الأمن.

- تفكيك الميليشيات والجماعات الإرهابية، وإخراجها من الغرب الليبي، والعمل على توحيد المؤسسة العسكرية الليبية.

- وقف مذكرتي التفاهم بين السراج وأردوغان بخصوص ترسيم الحدود البحرية، وتقديم المساعدات العسكرية التركية إلى الميليشيات.

- تطبيق صارم للقرارات الدولية بشأن حظر إرسال أسلحة إلى المرتزقة والإرهابيين في الغرب الليبي.

- تجديد شرعية المؤسسات الليبية وفي مقدمتها المجلس الرئاسي الليبي بحيث يكون مُعبراً عن كل مكونات المجتمع الليبي.

- قيام المجتمع الدولي الممثل في مجلس الأمن بإصدار قرار يشمل كل هذه المسارات السابقة بشرط أن يكون تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يفرض أعلى درجة إلزام على أردوغان والسراج، وأن ينص هذا القرار على آلية تفرض عقوبات صارمة على من يخالف هذه المسارات.

* رئيس تحرير مجلة الأهرام العربي

Email