مواجهة ترامب بايدن تقزّم ما عداها

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ نحو 2500 عام، وضع الفيلسوف الإغريقي أفلاطون كتاباً اسمه «الجمهورية» ضمّنه قصة شهيرة بعنوان «كهف أفلاطون»، حيث وصف مجموعة من الناس مقيّدة إلى جدار كهف طوال حياتها، من خلفها نار تعكس ظلال الأشياء على الجدار المقابل؛ الظلال عبارة عن عالم المساجين الذي يمثل كل ما يعرفون وهم يسيئون تفسير واقع الأشياء التي تلقي بظلالها.

وقد شهدت أمريكا على مدى العقود القليلة الماضية نشوء كهوف متعددة الأنواع، حيث إن مستهلكي قنوات معينة أبرزها «سي إن إن» يقبعون في كهف، فيما مستهلكو الحديث الإذاعي المتحفظ وقناة «فوكس نيوز» يقبعون في آخر.

أما النخب التي تلقي بالظلال فكانت تعزى إلى برامج التحليل السياسي على قناة «إيه بي سي». ورويداً رويداً أخذت الغالبية الساحقة من تلك الفئات الصانعة للأذواق الموزعة للتأثير دائمة الحديث تصاغ في السنوات الأخيرة ضمن رواية واحدة.

وتصف الرواية التي تنشط كثيراً اليوم تلك القوة المادية التي حاول المنضمون فرضها على المسار السياسي الأمريكي. ويعتبر ترامب سيد تلك الرواية والمدمر العظيم للوهم القائل إن بضعة آلاف من الناس في مانهاتن ووادي السيليكون وهوليوود يمكنهم رسم ملامح اللحظة السياسية.

وقد حاولت الرواية على مدى العام الماضي على الأقل تنصيب جو بايدن على أنه «المختار» الذي سيقضي على ترامب، بعد أن فشل كل من المحامي روبرت سوان مولر الثالث، والنائب آدم شيف بذلك.

إلا أن الرواية تلقت ضربة أخرى على أثر انتخابات نيو هامشير الأولية. وقد أعلن المحلل السياسي المحافظ مايكل بارون الذي نسي الكثير عن السياسة الأمريكية أكثر مما يعرف أي من المنصَّبين في قلب الرواية، واصفاً حملة بايدن بأنها «انتهت».

ولا يتسم رفض الرواية بملامح دراما الشعب المكبوت المتحرر كما حدث في الربيع العربي مثلاً، لكن هناك قسطاً من الغضب والإرهاق من إملاء كيفية تأطير القضايا والنزاعات. الناس في أمريكا يريدون المكاشفة التي طال انتظارها بين القوة التي تدعي الاشتراكية التي غالباً ما يشار إليها بالتقدمية في محاولة لكسب خطابي، والجانب الشرس من الحرية، حرية الحديث والتفكير والبناء والكسب والقيام عموماً بكل ما هو غير شرعي.

وتبقى المواجهة بين دونالد ترامب وبيرني ساندرز الحدث الأساسي الذي دون كل شيء آخر. والرواية لا تريد المكاشفة، حيث إن كشف الأوراق اليوم ينتج فائزين ولو لفترة محددة. ووجود الفائزين يعني تهميش الذين يلكزون ويستثنون، الذين يؤثرون ويحاولون الاستغلال.

الفائز يعني تسويغاً لترامب وتفويضاً له أو دعوة في الواقع لتطبيق الاشتراكية هنا في الولايات المتحدة. إن مثل هكذا ضربة قاضية قد تجلب تطهيراً لفترة من الزمن على الأقل. فلماذا لا ندعها تحصل. فقرابة الستة ملايين الذين يشاهدون أخبار القنوات في أي يوم كان يريدون حصول ذلك.

وما يزيد على 25 مليوناً يستمعون إلى الإذاعة الوطنية العامة، أو إلى المعلق المحافظ راش ليمبو وما بينهما يرغبون بذلك، تماماً كما أصحاب المنشورات المتسلسلة على فيسبوك. أما الرواية فلا تفعل، لنأمل إذاً أن تنسحق الرواية.

* كاتب ومحلل سياسي

 

Email