الزمن يعود للوراء في أمريكا اللاتينية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدأت أكبر تحقيقات في الفساد بتاريخ أمريكا اللاتينية، من محطة وقود برازيلية، لكن مع امتدادها في أنحاء المنطقة، أسقطت مسؤولين حكوميين كباراً وشركات جبارة. بالنسبة إلى المواطنين العاديين، كانت لحظة من الأمل، حيث إن الأكثر قوة بدا أنه سيخضع للمساءلة، أخيراً. الآن، بعد خمس سنوات من انفجار الفضيحة في وجه الرأي العام تتوقف اندفاعة المنطقة ضد الفساد.

جاءت الحملة ضد الفساد بعد سنوات من ارتفاع أسعار السلع الأساسية التي عززت اقتصادات عدة في المنطقة ورفعت الملايين من براثن الفقر، لكنها كانت قد غذت الإنفاق الحكومي، وبالتالي، فرص الكسب غير المشروع. وعندما وصلت تلك الفترة من الوفرة إلى خواتيمها، تركت المسؤولين الحكوميين في وضع هش، والمدعين العامين أحراراً في ملاحقة الأقوياء.

في البيرو، انتحر رئيس البلاد السابق الآن غارسيا بدلاً من مواجهة الاعتقال. وفي البرازيل، حكم على الرئيس السابق لولا دا سيلفا، بقضاء عقوبة في السجن، كذلك رئيس مجموعة أكبر شركات البناء في أمريكا اللاتينية، مارشيلو اوديبريخت.

لكن الجهود لتبني إصلاحات مكافحة الفساد تعثرت وسط الضغوط السياسية. يقول المدعي العام الفيدرالي دلتان دالانيول الذي قاد فرقة مكافحة الفساد في البرازيل في فضيحة «كار واش»: «ذهب رقاص الساعة في اتجاه، والآن يتراجع إلى الوراء».

كل هذا ساعد في تأجيج الغضب وعدم الثقة في المؤسسة السياسية. وقد صوّت الملايين من أمريكا اللاتينية ضد شاغلي المنصب وتدفقوا إلى الشوارع في احتجاجات هائلة. في بعض الحالات، فإن مصداقية الجهود المبذولة لمكافحة الكسب غير المشروع تم تقويضها من خلال التجاوزات التي ارتكبها أصحاب الحملة أنفسهم.

تراجع البرازيل عن مكافحة الفساد قد يكون الأكثر دراماتيكية وبعواقب أكبر على المنطقة، نظراً إلى مقدار ما أنجزه المدعون العامون. فقد رفعت فرقة العمل في فضيحة «كار واش» دعاوى ضد 476 شخصاً، وأبرمت 136 اتفاقاً بالذنب، واستردت أكثر من 900 مليون دولار من الأصول المسروقة.

كانت الشركات البرازيلية من أهمها، اوديبريخت، قد دفعت أكثر من 780 مليون دولار كرشاوى في أنحاء أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي للحصول على عقود بقيمة 3.34 مليارات دولار، وفقاً لوزارة العدل الأمريكية. الفضيحة قلبت السياسة في البرازيل، حيث تبين أن كل حزب كبير متورط في تمويل حملات غير قانونية ورشاوى.

وكان الحكم بالسجن على دا سيلفا، لقبوله استخدام شقة على شاطئ البحر في مقابل توجيه عقود حكومية، نقطة تحول في البلاد. بالنسبة للبعض، كان دليلاً على أن القانون يجري تطبيقه بالتساوي على الجميع. بالنسبة إلى آخرين، كانت دليلاً على أن التحقيقات كانت ملوثة سياسياً.

فالحماسة والسرعة غير العادية التي تمت معالجة قضية «الجوقة» اليسارية جعلها محفوفة بالمخاطر سياسياً: عندما سجن دا سيلفا في أبريل العام الماضي لقضاء عقوبة بالسجن لمدة 12 عاماً بتهم الفساد وغسيل الأموال كان المتصدر الأول في سباق الرئاسة.

وقد منعته الإدانة من صناديق الاقتراع، وهذا مهّد الطريق لانتخاب مرشح اليمين المتطرف، جايير بولسونارو. الشكوك في أن الادعاء كان بدوافع سياسية ازداد بعد انضمام القاضي الذي عالج قضية دا سيلفا، سيرجيو مورو، إلى حكومة بولسونارو كوزير للعدل.

وكان بولسونارو أثناء ترشحه قد أقسم على تحريك قضايا الفساد، بحلول ديسمبر، أصبح نجله السيناتور فلافيو بولسونارو، هدفاً لتحقيقات بالفساد انطلقت بسبب تبادلات مالية مشبوهة في مكتبه السابق في الهيئة التشريعية لولاية ريو دي جانيرو، وبعد أشهر احتج المدعون العامون على خرق بولسونارو البروتوكول بتعيين مدعٍ عام جديد، في خطوة أطلقت عليها الجمعية الوطنية للمدعين العامين الفيدراليين «أكبر نكسة ديمقراطية مؤسساتية» منذ 20 عاماً.

ومع كبح جماح مسؤولي تطبيق القانون، توقفت قضايا الكسب غير المشروع في البرازيل، أو تحركت بوتيرة بطيئة جداً، فيما كان مدعى عليهم أقوياء يستأنفون الإدانات ويستخدمون تكتيكات قانونية لتأجيل أحكام بالسجن.

التراجع في البرازيل كان يراقب عن كثب في أنحاء المنطقة، حيث منح السياسيون الأولوية للحفاظ على الذات فوق أي تدابير من شأنها أن تجعل القضاء أكثر استقلالية، وتمويل الحملات أكثر شفافية، وعقود الأشغال العامة أقل عرضة للرشوة.

 

 

Email