أمريكا تبدأ سنة تقرير مصيرها

ت + ت - الحجم الطبيعي

دخل المرشّحون للرئاسة الأمريكية من «الحزب الديمقراطي» أول اختبار شعبي لهم في ولاية آيوا التي تبدأ فيها عادة كل أربع سنوات الانتخابات التمهيدية للمرشّحين من الحزب غير الحاكم في «البيت الأبيض» إذا كان الرئيس نفسه مرشّحاً.

أو من الحزبين «الديمقراطي» و«الجمهوري» إذا انتهت الفترة الثانية من حكم الرئيس، حيث لا يسمح الدستور الأمريكي بأكثر من فترتين متتاليتين للرئاسة الأمريكية.

فبعد حملات بولايات عدة ومناظرات متلفزة بين المرشّحين «الديمقراطيين» واستطلاعات مختلفة لأجهزة الإعلام.

تبدأ هذا الشهر الامتحانات العملية لمقدار شعبية كل مرشّح (أو مرشّحة) من خلال التصويت الحزبي الذي يحدث في عموم الولايات الأمريكية على مدار أشهر، وإلى حين المؤتمر الحزبي العام في الصيف المقبل،.

والذي يتمّ فيه حسم اختيار المرشّح ونائبه بناءً على ما حدث من تصويت وانتخابات حزبية طيلة النصف الأول من العام.

ولا يبدو حتى الآن أنّ القاعدة الشعبية للحزب الديمقراطي قد حسمت أمرها في اختيار المرشّح المناسب لمنافسة ترامب.

حيث الخيارات هي بين مرشّحين «وسطيين» ومرشّحين «يساريين»، وبين رجل أو امرأة، وبين شاب وعجوز، وبين أصول أفريقية أو أوروبية أو آسيوية، وبين مسيحي أو يهودي الديانة.

فالفوارق هي عدة ومهمة للناخبين الأمريكيين الديمقراطيين لكن السؤال الأهم ربما بالنسبة لمعظمهم هو من يقدر على هزيمة ترامب!

الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة هي ربما الأهم في تاريخها. فما حدث في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة في العام 2016.

وفوز دونالد ترامب بالرئاسة، كان يمكن اعتباره بمثابة «انقلاب مضاد» قام به الأمريكيون المحافظون المعتقدون بضرورة الحفاظ على أمريكا البيضاء الأوروبية الأصل.

ضد «الانقلاب الثقافي» الذي حدث في أمريكا في العام 2008 من خلال انتخاب الرئيس باراك أوباما.

وما رمز إليه انتخاب أوباما من معانٍ مهمة في مجتمع أمريكي نشأ واستمرّ لقرونٍ ماضية بسمات «أوروبية – بيضاء - بروتستانتية».

وبتاريخ من العنصرية المُستعبِدة ضد ذوي البشرة السوداء. فانتخاب أوباما الأمريكي الأسود، الابن لمهاجر حديثاً، ومن أصول دينية إسلامية، كان صدمة كبيرة لهؤلاء «الأصوليين» الأمريكيين.

وحصلت تلك الانتخابات في وقت كانت تشتد فيه الحملات ضد الإسلام والمسلمين، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وما تبعها من حروبٍ أمريكية في بعض بلدان العالم الإسلامي.

وأيضاً في ظل تصاعد المشاعر السلبية ضد المهاجرين الجدد لأمريكا من دول أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط.

الآن، وبعد ثلاث سنوات من حكم ترامب، نجد المجتمع الأمريكي يعيش حالة انقسام شديد بين مؤيدي ترامب وما يرمز إليه من «أصولية أمريكية».

وبين معارضيه الذين ينتمون إلى فئات متنوعة اجتماعياً وثقافياً وعرقياً، لكن يجمعهم الهدف بضرورة عدم التجديد لترامب في الانتخابات الرئاسية بشهر نوفمبر المقبل.

فعلى سطح الحياة السياسية الأمريكية هو صراع بين «الحزب الجمهوري» والحزب الديمقراطي «بينما الصراع الحقيقي هو الآن بين أمريكا «القديمة» وأمريكا «الحديثة»، بين الماضي وبين المستقبل.

حيث شهدت وتشهد الولايات المتحدة متغيرات كثيرة في تركيبتها السكانية والاجتماعية والثقافية، ولم يعد ممكناً العودة بها إلى الوراء.

طبعاً، إضافة للعامل الاقتصادي الذي يهمّ عموم الأمريكيين فإن العنصرية الثقافية (ضد المهاجرين اللاتينيين) والعرقية (ضد الأمريكيين الأفارقة) والدينية (ضد المسلمين واليهود)، هي ستكون كلّها عوامل مهمة جداً لدى الناخب الأمريكي في قراره بتأييد هذا المرشّح أو ذاك في الانتخابات المقبلة.

لكن هناك أيضاً عناصر أخرى تؤثر على مسار الحملات الانتخابية في بلد هو أشبه بقارة، ويتألف من خمسين ولاية لكل منها خصوصيات اجتماعية وسياسية، وأبرز هذه العناصر هو دور المال الداعم للمرشحين.

حيث من دونه لا قدرة على الوصول للناخب الأمريكي إعلامياً أو في الجولات الميدانية عبر الولايات. لذلك، تلعب الشركات والمصانع الكبرى والمصارف وقوى الضغط (اللوبي) دوراً مالياً كبيراً بالعملية الانتخابية، وساعد على ذلك قرار المحكمة الدستورية العليا في العام 2010 بعدم تحديد سقف مالي للتبرعات للمرشّحين، وبحق عدم نشر أسماء المتبرعين!

عامل آخر يؤثر حتماً في أي انتخابات هو مقدار حجم تنظيم «الماكينة الانتخابية» للمرشّح أو للحزب عموماً.

ومدى النجاح في صنع تيار شعبي خلف المرشّح، والقدرة على حثّ الذين لا ينتخبون عادة والجيل الجديد على المشاركة بالتصويت، وهو الأمر الذي ساعد أوباما على الفوز في فترتين رئاسيتين.

الاستحقاق الانتخابي في نوفمبر المقبل هو تاريخ زمني حاسم ومهم لمستقبل أمريكا ولسياساتها الخارجية.

حيث سينتخب الأمريكيون رئيساً ونائباً له (وهو ما يحدث كل أربع سنوات)، كما سينتخبون كلّ أعضاء مجلس النواب (كل سنتين)، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ (كل ست سنوات)، وعدداً من حكّام الولايات الخمسين.

إضافة لانتخاباتٍ عدة محلية في داخل كل ولاية. وبانتهاء مؤتمريْ الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الصيف المقبل، تدخل حملات معركة الرئاسة الأمريكية أسابيعها الحاسمة، حيث يصبح واضحاً للأمريكيين الخيارات المتاحة أمامهم.

* مدير «مركز الحوار العربي» في واشنطن

 

Email