مبادرات السلام الأمريكية ومآلاتها

ت + ت - الحجم الطبيعي

في كل عقد من الزمن تأتي واشنطن بمبادرة سلمية لحل النزاع العربي-الإسرائيلي، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. والغريب أن جميع هذه المبادرات لا تلقى نجاحاً. وهناك أسباب ممكن تعدادها لانعدام حل دائم لهذا الصراع والذي دام سبعة عقود ونيف.

ويعود تاريخ الاهتمام الأمريكي بالقضية العصية على الحل سنين قبل تكوين دولة إسرائيل. ويرجع ذلك إلى أسباب دينية وتاريخية وثقافية متجذرة في الوجدان الأمريكي البروتستانتي.

وكانت من أولى مبادرات الولايات المتحدة لحل سلمي للصراع في الشرق الأوسط، مبادرة وزير الخارجية حينها وليام روجرز والتي عرفت بـ«مبادرة روجرز» لعام 1969.

ورغم أن الدلائل تشير إلى تورط إدارة ليندن جونسون في حرب يونيو 1967، إلا أن إدارة ريتشارد نيكسون ارتأت أن تحاول حل المشكلة لعلها تكسب واشنطن موقعاً في مصر عبد الناصر وكسب نقاط ضد الاتحاد السوفيتي. وتشكلت المبادرة من عناصر مهمة منها انسحاب إسرائيلي من الأراضي المحتلة في العام 1967، وتحقيق سلام بين مصر وإسرائيل.

وقد جاءت هذه المبادرة في خضم حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل والذي استمر من 1967 إلى 1970. ورغم أن مصر قبلت بوقف إطلاق النار في يونيو 1970، إلا أن المبادرة لم تؤت أكلها.

ولكن تحققت بعض المكاسب من المبادرة حيث إنها كانت البداية لتغيير جيواستراتيجي للولايات المتحدة، بعد أن اعتلى الرئيس أنور السادات سدة الحكم وقد استمر في سياسة سلفه بالنسبة لمشروع روجرز للسلام. وكانت مبادرة السادات الشهيرة في العام 1971، للتوصل إلى حل سلمي بين مصر وإسرائيل. إلا أن رفض إسرائيل أفضى إلى حرب أكتوبر 1973.

وكان نصر أكتوبر، على الأقل من وجهة النظر المصرية والعربية، أن مهدت إلى مبادرة السادات في 1977 لزيارة القدس. وتبنت إدارة الرئيس جيمي كارتر المبادرة وأصبحت الوسيط الرسمي. ورغم اعتراض الدول العربية على المبادرة إلا أن الاتفاقية تمت. ووقّع الرئيس السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن اتفاق السلام في 1979.

وفي 1982، وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان وإخلاء القوات الفلسطينية، أعلن الرئيس الأمريكي عن خطة لحل القضية الفلسطينية. وتشمل الخطة منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً في الضفة وغزة ضمن اتحاد مع الأردن. ورفضت إسرائيل الخطة على التو. وتجاوزت الأحداث في لبنان موضوع الخطة.

وبعد انتصار التحالف الذي قادته الولايات المتحدة في عاصفة الصحراء لإجلاء قوات العراق من الكويت، دعت الولايات المتحدة إلى مؤتمر مدريد للسلام في 1991 برعاية أمريكية-سوفيتية.

والغرض من المؤتمر إطلاق المفاوضات الثنائية بين إسرائيل والفلسطينيين وبقية الأطراف العربية المشتبكة مع إسرائيل. وقد انهار الاتحاد السوفيتي بعد ذلك المؤتمر. وتوالت اجتماعات بين إسرائيل والأطراف العربية ولكنها لم تتمخض عن شيء.

ورغم ذلك فإن مؤتمر مدريد مهد لأوسلو لعام 1993 والتي قامت واشنطن باحتضانه بكل حماسة. وقد رأى الرئيس بيل كلينتون فرصة سانحة لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.

وقد وقع الوفد الفلسطيني برئاسة الرئيس ياسر عرفات والإسرائيلي برئاسة رئيس الوزراء إسحاق رابين. وكما هو معروف حققت الاتفاقية بعض المنجزات على طريق السلام على المدى القريب، ولكنها فشلت في تحقيق الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة.

واتبعت اتفاقية أوسلو مبادرة برعاية أمريكية بين الأردن وإسرائيل في 1994 أسفرت عنها معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية عرف باتفاق وادي عربة. وأنهت الاتفاقية حالة الحرب بين البلدين.

وبعد تعثر المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية، دعا كلينتون إلى مفاوضات ماراثونية في كامب ديفيد في العام 2000. وقد خاض الوفدان الإسرائيلي برئاسة أيهود باراك والفلسطيني برئاسة عرفات مفاوضات استمرت لأسبوعين دون أن تحقق أية نتيجة.

وبعد فشل هذه المفاوضات في كامب ديفيد واندلاع الانتفاضة الثانية، جاء اقتراح كلينتون مبادرة عرفت «بمقترحات كلينتون». وقد قبل الطرفان بالمقترحات بتحفظ. وعندما اجتمعا في طابا للمفاوضات بعد أيام لم يتوصلا إلى اتفاق.

وتبع هذه المبادرات والمقترحات مبادرات أخرى لا يتسع المجال لمناقشتها مثل خارطة الطريق والذي أطلقها الرئيس جورج بوش الابن. ولم تفض كل هذه المحاولات إلى التوصل إلى اتفاق.

ويجدر الإشارة هنا إلى أن النمط السائد في المبادرات الأمريكية أنها تنجح حين توجيهها إلى الأقطار العربية حالة مصر والأردن، ولكنها تتعقد حين توجيهها إلى الفلسطينيين!

 

 

Email