«كورونا المستجدّ» ودروسه

ت + ت - الحجم الطبيعي

حديث الساعة هو حديث «كورونا». لا صوت يعلو على صحة الإنسان وحرصه على حياته وحياة أبنائه. وبين ليلة تمدد فيها الفيروس وضحاها، أصبحت أخبار «كورونا المستجد 2019» في مقدمة نشرات الأخبار وفي صدارة الصفحات.

البعض ظن أنه في مأمن لأن ظهور «كورونا» ارتبط بالصين البعيدة. لكن الصين وغيرها من دول المعمورة أقرب إلينا مما نتخيل. حركة السفر مستمرة على مدار الساعة. وإن تم منعها هنا، فهي مفتوحة هناك.

وإن تمت السيطرة والمراقبة هنا بشكل جيد، فهي تتم هناك بشكل فوضوي وربما لا تتم أصلاً. خلاصة القول إن السيطرة الكاملة على فيروس أمر شبه مستحيل. لكن الأمر الوارد والقابل للتحقيق هو التعامل الحكيم، والمكاشفة المنضبطة، والاستعداد المدروس، والمتابعة دون تهوين أو تهويل.

وحيث إن العالم وسكانه البالغ عددهم نحو 7.8 مليارات شخص بات فعلاً لا قولاً قرية صغيرة، فعلى الجميع أن يتعامل مع الأحداث والسياسة والاقتصاد والفيروسات من هذا المنطلق، مُره قبل حلوه.

وأحلى ما في التعامل مع ظهور «كورونا المستجد 2019» هو أن دولاً عدة أثبتت جاهزية ومهنية وتخطيط مسبق. ففي المواجهة المنضبطة يكمن نصف النجاح، وفي المكاشفة والمتابعة والتعامل السليم يكمن النصف الآخر.

وحسناً فعلت الإمارات بالإعلان الفوري المنضبط عن وصول الأفراد الأربعة من العائلة نفسها قادمين من مدينة ووهان الصينية في منتصف الشهر الماضي، وتم إدخالهم المستشفي فور تأكد إصابتهم بالفيروس، مع التنويه عن أن شخصين منهم لا تظهر عليهما الأعراض.

العرض الأول الناجم عن الإعلان عن ظهور الفيروس تراوح بين الإيجابي والسلبي. فمن جهة، كان رد الفعل الأول لملايين الناس هو الإسراع إلى «غوغل» بحثاً عن المعلومات والمعرفة.

كيف يصيب الإنسان؟ هل هو معدٍ؟ هل وصل إلى دولة كذا؟ هل له علاجات ولقاحات؟ كيف يمكن الوقاية منه؟ ما الفئات المعرّضة لقدر أكبر من الخطورة؟ وتواترت الأسئلة على رأس «غوغل»، وبدأت الإجابات تشبع ولع المعرفة السريعة الممتزج بالطبع بالخوف والقلق.

على الجانب الآخر، هناك من بدأ يغرق نفسه ومن حوله في غياهب الجهالة، تاركاً الوضع الطارئ الذي يستحق التعامل العلمي، وأخذ يردد أقاويل مفادها أن السماء تنتقم من الصين بسبب تعاملها مع مسلمي الإيغور! وبينما هذه الأقاويل تنتشر بين محدودي الرؤية وقاصري البصيرة، إذ بالجهات العلمية تؤكد أن ظهور الفيروس في أي بقعة من بقاع الأرض يعني انتقاله – ولو بشكل محدود بحسب الإجراءات المتخذة - لغيرها من البقاع.

بقاع الأرض المختلفة والتي يعاني عدد منها اقتتالات وصراعات - ولا يخفى على أحد أن جانباً معتبراً منها يقبع هنا في منطقتنا العربية - توحدت في اهتماماتها الخبرية الآنية بحثاً عن الفيروس وتطوراته.

وسواء أكان معاودته الظهور بهيئته الجديدة انتقاماً إلهياً أم اختباراً لمدى جاهزية الأرض وسكانها للطوارئ التي تحدث منذ بدء الخليقة، فإن العبرة المستفادة هنا هي أن صحة الإنسان وبقاءه وأحبابه على قيد الحياة تأتي في المقام الأول قبل الحروب الطائفية والاقتتالات الداخلية والصراعات السياسية.

وبالطبع، فإن هذا لم يمنع من أن تتفتق أذهان البعض عن تحليل رهيب وتفسير عجيب لظهور الفيروس.

قيل إن توقيت ظهور الفيروس مؤامرة مدروسة وقدومه إلى الشرق الأوسط مخطط محبوك من أجل صرف الأنظار عن «صفقة القرن».

ويمكن القول بكل أريحية إن مثل هذا التفكير والمنطق من الأسباب الرئيسة التي أدت إلى ما آلت إليه أوضاع الكثير من الدول العربية اليوم.

واليوم نقول إن الدعاء والتضرع للسماء لحمايتنا وأبنائنا وشعوبنا من الإصابة بالفيروسات القاتلة أمر مهم، ويهدئ من روع الخائفين، وينزل السكينة في القلوب. لكن على القدر نفسه من الأهمية، يقف العلم والبحث على القدر نفسه من الأهمية. فالدعاء وحده لا يمنع حدوث البلاء، والتوكل دون تعقل لا يضمن النجاة.

في أستراليا، وقبل ساعات، تمكن العلماء من إعادة تخليق الفيروس الجديد في معاملها.

الكشف الجديد ستتم مشاركته مع منظمة الصحة العالمية على أمل أن يساهم في التشخيص والعلاج. علماء في الصين نجحوا كذلك في إعادة التخليق، وشاركوا آخرين في سلسة الجينوم الخاصة به.

إنه «كورونا» الذي يلقنّا دروساً في العلم والجاهزية والدعاء.

Email