أزمات دولية بانتظار رحيل ترامب!

ت + ت - الحجم الطبيعي

ورث دونالد ترامب عن رؤساء أمريكيين سبقوه في الحكم جملة من الأزمات الدولية، وأضاف الرئيس ترامب أزمات دولية جديدة إلى سلة الأزمات التي تتعامل معها الولايات المتحدة، أو هي مسؤولة الآن عن إحداثها.

فترامب هو المسؤول الآن عن التصعيد السلبي الحاصل في العلاقات التجارية الأمريكية مع الصين والاتحاد الأوروبي، وفي التأزم بالعلاقات مع المكسيك وفنزويلا، ومع الحكومة العراقية أخيراً، وما يمكن أن يحدث من ردود فعل غاضبة على خطط وقرارات ترامب ضد حقوق الشعب الفلسطيني.

ولم يستطع ترامب حتى الآن تحقيق حلمه بتوقيع اتفاقيات سلام مع كل من كوريا الشمالية وحركة «طالبان» بأفغانستان، بل على العكس، لا يبدو في الأفق القريب إمكانية عملية لإنهاء الصراع الأمريكي مع كوريا الشمالية، ولا أيضاً للتورط العسكري الأمريكي المتواصل في أفغانستان على مدار عقدين من الزمن.

طبعاً، ليس لكوريا الشمالية في أزماتها المتكرّرة والمتصاعدة مع واشنطن ما تخسره، فهي تعاني من أوضاع سيّئة، ولن تنتظر قدوم حتفها إليها من خلال أسلوب الموت البطيء الذي يحصل من خلال الحصار والعقوبات الاقتصادية.

وقد حاولت بيونغ يانغ، إلى أقصى الحدود، استخدام تهديداتها بما تملكه من صواريخ باليستية وقوّة نووية وعسكرية لكي تحصل على اعتراف أمريكي بالنظام الحالي ووقف العقوبات المتراكمة عليه. ويبدو أنّ ذلك ما كان صعباً حتى الآن تنفيذه من قبل الرئيس ترامب بسبب ضغوطات «البنتاغون» وأجهزة المخابرات والكونغرس، رغم حاجة الرئيس الأمريكي لانتصار سياسي خارجي كهذا كان يأمل في الحصول عليه!

أمّا بالنسبة لأفغانستان، فواضحٌ من المفاوضات الأمريكية مع «طالبان»، بأنّ واشنطن قد فشلت في إنهاء هذه الجماعة بعد إسقاط حكمها في نهاية العام 2001، وبأنّ المراهنة الأمريكية على إقامة «حكم بديل» يستقطب الأفغانيين ويعزل الحركة، لم ينجح رغم كل المحاولات والخسائر البشرية والمالية في حرب أفغانستان على مدار 18 سنة.

أيضاً، ساهم فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام 2016 بانتعاش التيار العنصري داخل عددٍ من الدول الأوروبية وبتأثر بعض الأفراد العنصريين بالسياسة التي يتّبعها ترامب تجاه المهاجرين اللاتينيين والمسلمين ممّا دفعهم للقيام بأعمال عنف وإرهاب ضد مراكز يتواجد فيها من ينتمون لهذه الجماعات الدينية والإثنية.

ولم تسلم الطبيعة من سلبيات وجود ترامب على رأس صنع القرار في الولايات المتحدة، حيث تأثرت سلباً الاتفاقيات الدولية التي جرت بشأن المناخ نتيجة قرار ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس في سنة حكمه الأولى وعدم رغبته في تفعيل الإجراءات الدولية للحد من انبعاث ثاني أكسيد الكربون والمسؤول عن تغييرات تحدث في حرارة الأرض والمياه والتي تؤدي إلى كوارث طبيعية، كالتي شهدتها دول عدة في السنوات القليلة الماضية.

وما يهمنا هو ما اتخذه ترامب من قرارات ذات صلة بالقضية الفلسطينية، حيث خالف بسياسته ما كانت عليه الإدارات السابقة من سياسة ترفض الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل أو نقل السفارة الأمريكية إليها، ومن «شرعنة» الاستيطان، ومن الاعتراف الأمريكي بضمّ إسرائيل للجولان السوري المحتل، ومن وقف الدعم الأمريكي للمؤسسات الدولية الراعية لشؤون اللاجئين الفلسطينيين، وهي قضايا تخضع كلّها أيضاً لمرجعية قرارات من مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، ويخالفها ترامب كما يخالف مواقف حلفاء أمريكا في أوروبا وفي العالم كلّه!

وأين هو الموقف الأمريكي الآن من الحدّ الأدنى من المطالب العربية والفلسطينية التي تضمّنتها المبادرة العربية التي أقرّتها القمّة العربية في بيروت في العام 2002، حيث كان واضحاً في المبادرة ضرورة قيام «دولة فلسطينية» على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، وبأن تكون القدس عاصمتها، وبحلٍّ عادل لقضية اللاجئين، وبانسحاب إسرائيل من كلّ الأراضي العربية التي جرى احتلالها في حرب 1967.

إنّ «مصالح إسرائيل» ليست سائدة بالمنطقة العربية فقط، بل الأمر هو كذلك في الغرب عموماً وأمريكا خصوصاً. فكثيرٌ من سياسات واشنطن وحروبها الأخيرة كانت مرجعيتها «المصالح الإسرائيلية» لا «المصالح الأمريكية»، وحينما تحاول أي إدارة أمريكية تحقيق مصالح «أمريكا أولاً»، كما حاولت إدارة أوباما في الملفّ الفلسطيني، تضغط القوى الصهيونية داخل أمريكا فيتمّ «تصحيح» الأولويات والقرارات لكي تتوافق مع الرؤى الإسرائيلية!

إنّ فلسطين كانت أوّلاً في «وعد بلفور»، قبل تقسيم المنطقة العربية في «سايكس بيكو» بمطلع القرن العشرين قبل مائة عام. وفلسطين كانت أوّلاً في حروب «الإفرنج» قبل ألف عام. وفلسطين كانت أوّلاً في هدف المستعمرين الجدد في القرن الماضي، وهي أيضاً كذلك في هذا القرن الجديد. وفلسطين كانت محور قضايا المنطقة قبل ترامب وستبقى كذلك بعد رحيله من «البيت الأبيض».

 

 

Email