بريطانيا والانسحاب من الاتحاد الأوروبي

ت + ت - الحجم الطبيعي

أيام قليلة تبقّت على الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي. ففي نهاية شهر يناير2020 سوف تفتح بريطانيا صفحة جديدة من تاريخها المعاصر، صفحة تبحر فيها وحيدة مغردة خارج السرب الأوروبي. القرار البريطاني لا يزال يثير الجدل في داخل بريطانيا وفي أوروبا وفي العالم.

ففي داخل بريطانيا لا يزال هناك تياران متصارعان تتسع الهوة بينهما: التيار الأول والذي يطلق عليه أنصار الانفصال وهو الذي يؤيد الخروج ويعقد آمالاً كبيرة عليه، وهو غالباً ما يتألف من فئة المخضرمين والعمال، والتيار الثاني وهو أنصار البقاء، والمؤلف من الشباب والمزارعين وغيرهما ويعتقد بأن بريطانيا قد أخطأت بهذا الخروج وبأن مستقبلها بعـد «بريكست» غير واضح المعالم.

وعلى الرغم من الجدل الكبير فيما يتعلق بالخروج البريطاني إلا أن التيارين يدرسان بعمق الانعكاسات الاقتصادية الكبيرة على بريطانيا بعد يناير 2020. تداعيات الخروج البريطاني كبيرة على الفرد وعلى الشركات الكبرى وعلى الدولة بصورة عامة.

فعلى الفرد سوف يؤثر الخروج البريطاني على الأوضاع الاقتصادية وعلى القدرة الشرائية وعلى أسعار المنازل وحتى على الأدوية التي يأتي معظمها من أوروبا. من ناحية ثانية سوف يؤثر الخروج البريطاني على الشركات الكبرى وعمالقة المال والذين يعتمدون اعتماداً كبيراً على سير الاقتصاد وارتباطه بأوروبا من جهة وبالعالم الخارجي.

قضية مركزية تهم المراقبين ألا وهي انعكاسات «بريكست» على الهجرة وقوانينها. فقد أعلنت بريطانيا بأن قوانين الهجرة سوف تتغير حتى بالنسبة للأوروبيين المتواجدين الآن في بريطانيا. كما يعيش في بريطانيا حوالي 300 ألف من المهاجرين من شرق أوروبا.

سوف تفقد بريطانيا امتيازات عديدة منها حرية دخول بضائعها والسلع والخدمات دون قيود جمركية لأكبر سوق في العالم، السوق الأوروبية المشتركة وهو سوق يضم 500 مليون شخص. كما سوف تفقد بريطانيا منافع كل الاتفاقيات التي عقدها الاتحاد الأوروبي مع 53 دولة كانت مرتبطة بالاتحاد الأوروبي باتفاقيات تجارية.

الكثير من الأوروبيين صرحوا بأن تواجدهم في بريطانيا غير واضح المعالم وربما يتأثر عملهم في بريطانيا ومستقبلهم بهذا الخروج ولهذا قرر العديد من الأوروبيين مغادرة بريطانيا والرجوع إلى بلدانهم الأصلية الأمر الذي سوف يحرم بريطانيا من أيدي عاملة ساهمت خلال العقود الخمسة الأخيرة في ازدهار الاقتصاد.

والأمر يبدو أصعب بالنسبة للمهاجرين من غير البلدان الأوروبية وبالتحديد الآسيوية. فقد قررت بريطانيا وضع قيود صارمة على المهاجرين للعمل أو الإقامة. أما الانعكاس الأكبر فسوف يكون على صورة وموقع بريطانيا في العالم وهيبتها. فقد كانت بريطانيا تحتفظ بهيبة كبيرة كدولة قوية ضمن الاتحاد الأوروبي. وكانت المانيا وفرنسا لا تتخذان قراراً إلا وتحسبان حساباً كبيراً لبريطانيا ومواقفها.

بالإضافة إلى التداعيات السياسية فإن التداعيات الاقتصادية هي ما يهم الحكومة البريطانية في المقام الأول. فبالخروج من أوروبا سوف تفقد بريطانيا كافة الامتيازات التي كانت لها بوصفها عضواً في الاتحاد الأوروبي.

وسوف تفرض عليها بعد ذلك الكثير من الضرائب والجمارك وغيرها من القيود التي سوف تسبب الكثير من الضيق للشركات البريطانية وللفرد البريطاني إجمالاً. من جهة أخرى فإن تراجع العملة البريطانية أمام الدولار وتأثيرات ذلك الانسحاب على الأسواق المالية والمصرفية هو قضية تثير الكثير من القلق لدى الحكومة البريطانية.

فالخبراء يتوقعون مزيداً من الركود الاقتصادي والتباطؤ الاقتصادي علاوة على ما تشهده بريطانيا والعالم من ركود في الوقت الراهن. في نظر البعض فإن المستقبل الاقتصادي الذي ينتظر بريطانيا يميل إلى التشاؤم والسواد.

فتأثيرات الانسحاب سوف تكون قوية على الناتج القومي الإجمالي الذي سوف ينخفض كما سوف تنخفض الضرائب الكلية وسوف تتأثر مكانة لندن كمركز مالي أوروبي لصالح فرانكفورت ولكسمبورغ هذا بالطبع بالإضافة إلى تكلفة الانسحاب الكبيرة. ولكن ما هي تأثيرات هذا الانسحاب على الاتحاد الأوروبي وعلى الخليج؟

يميل بعض الخبراء إلى القول إن الانسحاب البريطاني قد يشجع بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى تقليد الأنموذج البريطاني الأمر الذي يعرض الاتحاد إلى التفكك، خاصة وأن فكرة الاتحاد قد فقدت جاذبيتها بين الشعوب حيث لا يوجد رضا شعبي عن المشروع الأوروبي والجيش الأوروبي الموحد.

كما أن ملف هجرة مليون لاجئ إلى القارة العجوز قد أحدث انقساماً بين الأوروبيين ودفع اليمين المتشدد إلى الصعود. أما على مستوى الخليج، فقد يدفع المستثمرين الخليجيين إلى سحب استثماراتهم. وهو قضية صعبة الحدوث في الوقت الراهن في ظل الركود الاقتصادي الذي يخيم على الأسواق العالمية إجمالاً. وسوف يظل الفرد البريطاني هو الحكم على نجاح مشروع الانسحاب من فشله.

 

 

Email