الإمارات والثقة الدولية

ت + ت - الحجم الطبيعي

في بداية هذا الأسبوع، تلقى صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، اتصالاً هاتفياً من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رئيس إحدى القوى المؤثرة في المنطقة والعالم، حيث تباحثا تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية، وبشكل أخص ملفي سوريا وليبيا، مؤكدين على أهمية الحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها، ومعالجة القضايا بالحكمة والحوار.

تؤكد مثل هذه المشاورات، وقت اشتداد الأزمات، إدراك صناع القرار في الدول الكبرى للدور الحيوي الذي تلعبه دولة الإمارات منذ عقود لدعم الاستقرار وتهدئة الخلافات في المنطقة، وأنها عملت دوماً على الحفاظ على المصالح السياسية للدول الإقليمية والعربية، وساهمت في إبعاد كل ما قد يعكر صفو التفاهم، من خلال التركيز على تشجيع لغة الحوار باعتبارها الوسيلة المناسبة لمعالجة الأزمات والتوترات السياسية.

هذه المساعي تتضح في الكثير من المواقف الدبلوماسية والوساطات التي تقوم بها الإمارات بالاعتماد على علاقاتها المتميزة مع دول العالم، والدلائل في هذا كثيرة منها الاتفاقية التي وقعت بين إثيوبيا وإريتريا في أبوظبي.

الإمارات على مدى تاريخها تمثل عامل استقرار في المنطقة وتدفع دول العالم إلى التفاهم وإلى استخدام الحوار في الأزمات والقضايا الدولية حتى إن كانت هذه الدول بعيدة عن إقليمها الجغرافي، ما أكسبها ثقة العالم في دورها، وصارت هذه هي الصورة النمطية عنها، وربما هذا ما يفسر لجوء سياسيي العالم، بغض النظر عن اختلاف أيديولوجياتهم السياسية، للتشاور مع الإمارات، فمثلما تباحث الرئيس بوتين مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حول الأوضاع في المنطقة، فهناك اتصالات أخرى من قادة دول أخرى بما فيها الولايات المتحدة والصين من أجل الاستئناس بوجهة النظر الإماراتية ورأيها في قضايا المنطقة، وهذا كله ناتج من تراكم تاريخي لسياسة دولة الإمارات تم بناؤه على مدى عقود، حيث شاركت في تحقيق الاستقرار في دول البلقان خاصة في أزمة كوسوفو وفي أفغانستان بين المتحاربين على السلطة فيها، وفي أفريقيا، وتحديداً في محاربة القرصنة.

وقد ساعد دولة الإمارات في أن تكون محل ترحيب من الجميع، أن مساعيها للتهدئة لا تهدف من ورائها سوى تحقيق الاستقرار، وكذلك لأن تاريخ سياستها الخارجية يزكيها بأنها واضحة وشفافة وقائمة على القيم التي تمثل السلام والتعايش والتسامح بين الجميع ومع الكل وعدم التدخل في الشأن الداخلي للدول، فتكاد تكون دولة صديقة للجميع، إلا من الذين لديهم أجندات ومشاريع تخريبية ضد أوطانهم، وهو أحد التحديات الكبرى التي تعاني منها منطقتنا في الوقت الحالي خاصة في ليبيا وسوريا.

ومعروف لدى الجميع أن هناك إعلاماً مشبوهاً يحاول تشويه الدور الإماراتي، ولكن الشيء المؤكد الذي لا يمكن التشكيك فيه أن الإمارات تمارس دورها الدولي والإقليمي بما تفرض عليها مسؤوليتها العربية والدولية، ولهذا ينبغي ألا نستغرب عندما يعتمد عليها باعتبارها مرجعية سياسية عربية في تطورات الأوضاع التي تهدد استقرار المنطقة وتؤثر بالتالي على الاستقرار والأمن العالمي، فلكل طرف في المنطقة من المتنافسين تصوراته وسيناريوهاته ويوظف عليها- للأسف- بعض دول المنطقة لخدمته وفق «نظرية الحرب بالوكالة» الاستثناء الوحيد من ذلك من يمتلك رؤية خاصة به تخدم مصلحة وأمن الجميع.

استناد الدول الكبرى إلى الدبلوماسية الإماراتية في مساعي التهدئة لحالة «تسخين المنطقة» للمتنافسين فيها، أمر له دلالات كثيرة منها قدرة الدبلوماسية الإماراتية على التأثير في بعض ملفاتها بالاعتماد على الإرث السياسي والخبرة في التعامل مع أزمات المنطقة والعالم، ومنها أيضاً تمتع الدبلوماسية الإماراتية بمرونة ونشاط كبيرين في منطقة تعاني حالة من التجاذبات السياسية جعلت التواصل بين أعضائها صعبة، وبالتالي فإن الإمارات تمتلك المساحة التي تعطيها مجال تقريب وجهات النظر.

ليس من مصلحة أحد أن تخرج الأمور عن السيطرة في المنطقة، أو يعمل على زيادة حالة التوتر وتفجيرها بالكامل، لذا فالكل يعمل ويسعى إلى نزع الفتيل كي لا تنفجر المنطقة.

 

 

Email