خير الدين بربروس وطائر الرخ في ليبيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

اللعبة الأممية الدائرة رحاها في ليبيا، والتي لم تبدأ قبل أيام، بل قبل سنوات، تقول لنا الكثير عن الأطراف المحركة والمستَقبِلة والمؤججة خارج المنطقة العربية، وكذلك الكثير عما يصول ويجول في الداخل، علنا نعي ولا نُلدغ من الجحر نفسه مجدداً.

ما سمّي بـ«الربيع العربي» الذي دغدغ أحلام وآمال الملايين في البلدان العربية التي ضربتها هذه الرياح لم يكن مجرد مجموعات حرّكها الشعور بالظلم والرغبة في غدٍ أفضل، بل هي خطط مدروسة ومحكمة ومخطط لها بشكل رائع لقلب المنطقة رأساً على عقب.

والحقيقة أن البعض من الأنظمة مهّد الأرض لهذه الرياح، ووفر لها العوامل المساعدة على التأجيج والانتشار السريع. عقود من الفساد وتجاهل الشباب وإغماض العيون عن حتمية التنمية والتعليم والتشغيل ومواكبة العصر، ومعها تواؤمات شيطانية مع جماعات الإسلام السياسي ساهمت في خلط الحابل بالنابل، والضحك على الذقون بتحركات وتحالفات شيطانية.

شيطنة الربيع لم تكن الحل الأمثل. ففكرة التغيير وحلم التطوير كانا قد سيطرا على أدمغة كثيرين، وكان الأولى توضيح الأمور وكشف المستور سياسياً والتوقف الفوري عن الزج بالعواطف في السياسة، وخلط الدين بالسياسة.

عموماً ما يجري في ليبيا ليس بالأمر الهين. الرئيس التركي أردوغان يريد أن يضرب «نسرين» بفرق مرتزقة واحدة. يمد سطوته على حقول الغاز ومعها النفط الليبي، بالإضافة لاستمرار تهديد مصر وطرق باب المقاربة الجغرافية من أجل مزيد من التصعيد.

وهو يصارع الزمن من أجل إحكام السيطرة على المشهد في ليبيا. ومع النسرين المراد ضربهما، يأتي طائر رخ لم يغب عن مخيلة الرئيس التركي منذ مجيئه إلى السلطة ومن منطلق أيديولوجيته الإخوانية، ألا وهو استعادة مكانة الخلافة العثمانية وتنصيبه خليفة عثماني في المنطقة.

جانب ممن ضربهم الأدرينالين الثوري في مقتل فكري، وآخرون ممن قرروا التخلي عن المنطق في التفكير والتمسك بتلابيب أحلام لا تملك أرجل تمكنها من الوقوف على أرض الواقع يمسكون بتلابيب النظام التركي الإخواني، ويعتبرون رأسه مثالاً للديمقراطية، ونموذجاً للحكم المدني، وذلك على اعتبار أنه رأس النظام الإخواني، لكن الدولة ما زالت تحتضن أشكالاً «مدنية»، بل كان البعض يشير بفخر شديد إلى أن تركيا ذات النظام الإخواني تقنن الدعارة بقوانين.

هؤلاء صدعوا أدمغتنا طيلة سنوات ما بعد أحداث يناير 2011 بالتغني بروعة الخليفة، وعواطفه الجياشة التي دفعته لفتح الحدود واستقبال ملايين اللاجئين السوريين الهاربين من نيران ساهم الخليفة بقدر كبير جداً في إشعالها في سوريا.

هؤلاء لم يقفوا كثيراً عند حقيقة البوابات المفتوحة، والتسهيلات الممنوحة لعبور «الدواعش» القادمين من أنحاء العالم لـ«تحرير» سوريا و«دعم الثوار في ثورتهم ضد الظلم والفساد».

هؤلاء أيضاً لم يلتفتوا إلى ورقة الدواعش واللاجئين التي أبدع أردوغان في استخدامها مع دول الاتحاد الأوروبي. فبعد انتفاء المصلحة، وتدمير سوريا، وتحقيق المراد، بدأ أردوغان يلوّح بفتح حنفية اللاجئين السوريين صوب دول أوروبا.

ثم ضم إليها حنفية جديدة، ألا وهي إطلاق سراح المعتقلين الدواعش ليعودوا إلى بلدانهم. والحقيقة أن أحداً لم يحاسب أردوغان بعد على دوره «العظيم» في صناعة وتمرير الدواعش إلى سوريا. أغمض العالم عينيه تماماً عما جرى، واستيقظ حين لاح الخطر في الأفق.

ونعود إلى تركيا التي أجرى رئيسها اتصالاً هاتفياً بقوات الدرك في مركز شرطة في جنوب شرق تركيا ليلة رأس السنة هادفاً إلى نشر المحتوى على الملأ الدولي. فماذا قال؟ «ها نحن بصدد اتخاذ خطوات جديدة ومختلفة في كل من ليبيا وشرق البحر المتوسط.

ونأمل أن يحقق جنودنا في شرق المتوسط ملاحم بطولية كتلك التي حققها «أمير البحارة العثمانيين» خير الدين بربروس (1478-1546)».

وفي ليبيا الممزقة صورة مصغرة للصراعات الأممية على القوى والهيمنة والطاقة والمكانة. متابعة ردود فعل أمريكا وروسيا وفرنسا وإيطاليا. ردود فعل هذه الدول ما زالت في مرحلة التحذير والتدبير (على الأقل ظاهرياً).

لكن مرحلة التحذير لن تدوم طويلاً، لا سيما في ضوء التحركات المتسارعة التي تتخذها تركيا كسباً للوقت والأرض والنفط والغاز، وما خفي عن الكلام لكن ظهر للعيان من معاودة محاولات التربّص بمصر وحلفائها.

 

 

Email