رزنامة القياديين

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتبع العلماء من جامعة هارفارد يوميات 27 رئيساً تنفيذياً في الشركات المدرجة في بورصة نيويورك، ولذلك في محاولة لمعرفة مدى فعاليتهم أو حسن إدارتهم أوقاتهم.

فعكفوا على تحليل 60 ألف ساعة من يوميات هؤلاء القادة، ليتعرفوا إلى جانب من سر كفاءتهم.

فتبين أن هناك عدداً من الممارسات التي تقف وراء صميم تأثيرهم.بدأت الدراسة ببساطة بتكليف المساعد التنفيذي EA للرؤساء التنفيذيين، بعد تدريبهم جيداً، على وضع رموز لكل نشاط، يقوم به الرئيس أو يدونه في رزنامته، طوال الـ24 ساعة يومياً وعلى امتداد أيام الأسبوع، وذلك بالتنسيق مع الرؤساء أنفسهم.

وتوصل الباحثون إلى معلومات مهمة عن الكيفية، التي يقضي فيها هؤلاء القادة أوقاتهم، ومع من يمضونها، وما الأنشطة والمهام والموضوعات التي تستأثر بأوقاتهم، فضلاً عما يفعله القياديون خارج ساعات العمل.

وتبين أن متوسط عائد الشركات منفردة، الذي بلغ 13 مليار دولار أمريكي (عام 2006) لم يأت من فراغ، بل بجد واجتهاد رؤسائها التنفيذيين، حيث اتضح أنهم يمارسون أنشطة مرتبطة بوظائفهم في عطلة نهاية الأسبوع بنسبة 75% من أيام تلك العطلة، وهو ما يشكل معدل 3.9 ساعات يومياً. وحتى في العطلات الموسمية فإنهم يقضون النسبة نفسها تقريباً (70%) بمعدل 2.4 ساعة يومياً.

وهو خبر ربما لا يسر زوجاتهم ولا أبناءهم، لكنه يشير إلى أن الجدية في إدارة تلك المنظمات الكبرى لم تأت من فراغ، بل بإدارة حثيثة وشبه يومية. والمفارقة أن هذه المثابرة لا يبدو أنها تنال من معدل استغراقهم بنوم مريح، حيث اتضح أنهم يتمتعون بنحو 6.9 ساعات يومياً.

ويمارسون نحو 45 دقيقة من التمارين الرياضية يومياً. ورغم كل ذلك فإن للراحة نصيباً معقولاً في يومياتهم، فهم يمضون ما معدله 2.1 ساعة يومياً في أوقات الاسترخاء بما فيها من مشاهدة التلفاز، والقراءة الحرة، وغيرها من هواياتهم المتفرقة.

ويبدو أن الغربيين لا يختلفون عنها في كثرة اللقاءات (وجهاً لوجه)، ذلك أنها تلتهم نحو 61% من وقت العمل الرسمي، ويمضي هؤلاء أيضاً نحو 15% في مكالمات هاتفية أو قراءة المراسلات والرد عليها، بينما يستغرق تواصلهم الإلكتروني ربع أوقاتهم (24%).

وكانت المفارقة أن الباحثين قد سمعوا من المشاركين اعترافات صريحة، عندما قال نحو عشرهم (11%) بأن أوقاتهم كانت تستنزف بسبب أعمال روتينية.

ليس هذا فحسب، بل اتضح أن عقدة الاجتماعات المطولة في غير موضوعها يعاني منها أيضاً القياديون في العالم الغربي، حيث يقضون نحو ثلثها (32%) في اجتماعات تمتد إلى مدة ساعة، أما تلك التي امتدت إلى ما يزيد على الساعة فبلغت (38%).

وكان الثلث المتبقي لمقابلات استغرقت ما دون الساعة، غير أن المفاجأة كانت اعترافهم بأنه كان بالإمكان اختصار مدة هذه اللقاءات إلى نصف ساعة أو 15 دقيقة! فيا له من وقت مهدر يعود إلى عدم تحلي الكثير منهم بالحزم في مسألة الإطالة غير المبررة في الاجتماعات. واكتشف الباحثون هناك ما نعاني منه هنا في عالمنا العربي وهو أن «طول الاجتماعات مرتبطة بثقافة المنظمة أو الفرد أو كليهما».

كما لوحظ أن 75% من المواعيد توضع بصورة مسبقة، نصفها يضعها القيادي بنفسه، وهذا دليل على أن جدول الرئيس مخطط له جيداً ويقع تحت سيطرته.

وتكمن أهمية الدراسة في أنها تعد الأولى من نوعها من جهة حجم الشركات، وعمق التحليل ودقته، وألمعية الباحثين وجامعتهم العريقة، كما أن رزنامة القياديين هي أصدق دليل على كيفية إدارتهم أوقاتهم. ولو كشفنا ما لم يكتب في الرزنامة من أوقات مهدرة في جدول بعض المسؤولين العرب لربما هالنا حجم الأوقات، التي تذهب سدى من جداولهم ونتائج مؤسساتهم المتراخية.

* كاتب كويتي

 

Email