علاقات اليابان وكوريا الجنوبية ومسألة «الراية المشرقة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

تشهد العلاقات اليابانية الكورية الجنوبية تدهوراً إلى أدنى المستويات في سنوات، وتشمل مروحة النزاعات كل جوانب العلاقات الثنائية للبلدين المنبثقة من تباين في تصوّر المسائل التاريخية كتلك المتعلقة بالعمالة الإجبارية خلال فترة الاحتلال الياباني.

وقد ازدادت سوءاً مع فرض الحكومة اليابانية قيوداً على الصادرات وامتدت لتطال مشكلات تتعلق بالتعاون على الصعيد الأمني القومي والإقليمي.

وفي خضم التوترات، برزت مشكلة محددة تتعلق براية الشمس المشرقة، حيث أرسلت حكومة كوريا الجنوبية في 12 سبتمبر طلباً رسمياً إلى اللجنة الأولمبية الدولية لمنع الناس من حمل راية الشمس المشرقة إلى طوكيو خلال دورة الألعاب الأولمبية والبارالمبية عام 2020. وتبنت الجمعية الوطنية لكوريا الجنوبية قراراً بهذا الشأن.

ويعود أصل المشكلة في الأساس إلى أن الكوريين الجنوبيين يعتبرون راية الشمس المشرقة التي استخدمها الجيش الياباني الإمبريالي كرمز للإمبريالية اليابانية، ويرون ضرورة استئصاله تماماً كما العلم النازي، من دورة الألعاب الأولمبية والبارالمبية التي ترادف الاحتفال بالسلام. وبناءً على هذا الاعتقاد، صارت راية الشمس المشرقة في كوريا الجنوبية الحديثة تعادل «راية الحرب المجرمة».

ويشير البعض إلى أنه لو كان الأمر كذلك، فلماذا لم تتم إزالة الراية من دورة الألعاب الأولمبية وسواها من الفعاليات من قبل؟ ولماذا لم تعمد كوريا الجنوبية إلى إثارة المسألة قبل اليوم وبعد 70 عاماً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؟

السبب بسيط ويكمن في أنه عقب السنوات العشر الأُول من الألفية الثانية أخذت راية الشمس المشرقة كرمز للإمبريالية تكتسب اهتمام كوريا الجنوبية. وتكشف معاينة مقاربة صحف البلاد للمسألة أنه لم يسبق أن أثيرت مسألة الراية أو كانت مثار جدل قبل الألفية الثانية.

في الواقع، وفي بداية الأمر يذكر أن كلاً من اليابان وكوريا الجنوبية حليفان للولايات المتحدة وقد تبادلا الأنشطة العسكرية. ومن نافل القول اليوم أن تلوّح راية الشمس المشرقة على ناقلات البحرية اليابانية كعلامة لقوات البحرية للدفاع الذاتي، وأن ترصد في مشاهد تعاون مع الناقلات البحرية الكورية الجنوبية، دون أن تسجل الأخيرة أي اعتراض يذكر.

وفي إجابة عن السبب الذي جعل من مسألة الراية المشرقة تكون هدف الانتقاد الكوري، فإن لذلك سببين، يشير الأول إلى تبدّل في الاعتبارات الكورية لما يمثل الإمبريالية اليابانية العسكرية، فحتى تسعينيات القرن ظلت كوريا الجنوبية والصين وباقي دول آسيا المحيطة باليابان تعتبر أن رمز الإمبريالية العسكرية لليابان لا يرتبط براية الشمس المشرقة، إنما بالعلم الوطني الياباني نفسه.

وقد بنيَ الجدل في الدول المجاورة على جدل قائم داخل اليابان نفسها يتعلق بما إذا كانت راية الشمس المشرقة أو العلم الوطني الياباني هو العلم الرسمي للبلاد إضافة للنشيد أو لا.

وما إن حُلّت المسألة داخلياً بإصدار قرار رسمي حتى هدأت الأمور. وصدر قرار في كوريا الجنوبية تحديداً يحظر التشهير ليس بالعلم الوطني للبلاد فقط، بل بكل الأعلام والرايات للبلدان الأخرى. إلا أنه مع تبني اليابان لعلمها الوطني سادت حالة من التردد حيال التشهير به، سيما في التظاهرات ذات الخلفية الوطنية أو المعادية للحكومة اليابانية.

بكلام آخر، فإن فكرة استنكار راية الشمس المشرقة كرمز للإمبريالية العسكرية اليابانية في كوريا الجنوبية اليوم برز كاقتراح مضاد للهدف الأصلي، أي العلم الوطني للبلاد.

وبرز الجدل عبر الإنترنت من ضمن الأمور التي لعبت دوراً مهماً، فمنذ الأعوام العشرة الأُول للألفية الثانية، أثارت الإساءة بسبب استخدام الراية في إحدى الفعاليات الرياضية شرارة النقاش. وأسفر عنها مفهوم «راية الحرب المجرمة» الجديد الذي سجل أول استخدام له عام 2013 من قبل الكوريين الجنوبيين الموجودين في الولايات المتحدة.

وأخذ ينتشر بسرعة ويصبح أكثر قبولاً لدى الشعب الكوري الجنوبي. وهكذا اكتسبت النقاشات عبر الإنترنت حدةً ناجمة عن مزيج من الاعتداءات الكلامية، والأسئلة التي بقيت بلا إجابات. كل ذلك ولم يبرز أحد إلى الآن يعطي تعريفاً واضحاً محدداً لما تعنيه راية الشمس المشرقة، ولا حتى الجانب الكوري الجنوبي الذي قدم مطالبةً للجنة الأولمبية الدولية.

ومن المعروف أن تصاميم مشابهة لراية الشمس المشرقة، تستخدم بكل الأشكال ولا تقتصر على قوة الدفاع الذاتي البحرية اليابانية، بل يمكن رؤيتها على رايات الشركات اليابانية، أو كشعار للصحف أو على سفن الصيد اليابانية. ومن دون وجود تفسير محدد دقيق فإن منع الناس من جلب الأعلام إلى الفعالية الأولمبية لن يكون قراراً عملياً.

لذا يبرز السؤال القائل، لماذا بالرغم من تلك الحقيقة يواصل شعب كوريا الجنوبية الجدال، دون أن يكلّف أحدهم نفسه عناء إصدار تعريف رسمي؟ والسبب وراء ذلك بسيط، حيث إن لبّ المسألة لا يتعلق بشجب راية الشمس المشرقة بذاتها، بقدر ما هو شجب اليابان نفسها.

وتمثل مسألة راية الشمس المشرقة بطريقة ما واحدة من أفضل تجليات العلاقات الراهنة بين اليابان وكوريا الجنوبية. وقد تطور الوضع إلى مرحلةٍ لا يسعى الناس معها إلى إيجاد حلّ للمشكلة في أقرب وقت ممكن، بل لتشويه سمعة البلد الآخر.

من المؤكد أننا نقترب من وقت تحتاج فيه كل من الحكومتين اليابانية والكورية الجنوبية مثل الشعبين إلى أخذ نفسٍ عميق والتفكير في كيفية إسهام تلك المشاحنات اللامتناهية على المجتمع الدولي.

* بروفيسور في جامعة كوبي اليابانية

 

Email