قبل أن يشعل صراع الطاقة المنطقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

برعونة شديدة يحاول الرئيس التركى رجب طيب أردوغان جر المنطقة إلى سيناريو «حافة الهاوية» بسبب قيامه بتوقيع اتفاقية «باطلة» مع حكومة مؤقتة ومنقوصة الشرعية في ليبيا برئاسة فائز السراج.

من أجل السيطرة على منابع النفط في ليبيا، بعد أن باءت محاولته الأولى في سوريا بالفشل حينما حاول الخلط بين أزمة الأكراد والسيطرة على منابع النفط.

إلا أن تلك المحاولة فشلت بعد أن اتفقت أمريكا وروسيا على حل الأزمة بطريقة مختلفة، فاحتفظت أمريكا بقوة من جنودها في سوريا لتأمين مصادر البترول والغاز، وتدخلت سوريا على الخط في إطار المشاركة في اتفاق التهدئة على الحدود السورية ـ التركية.

ربما يكون أفضل تعبير ينطبق على اتفاق أردوغان ـ السراج بشأن ترسيم الحدود ما جاء على لسان المتحدث باسم الحكومة اليونانية عقب توقيع هذا الاتفاق حينما وصفه بأنه «باطل وجرى التفاوض عليه بسوء نية» مشيراً إلى أن الاتفاق بين أردوغان والسراج يهدد الاستقرار الإقليمي.

التداعيات الأخيرة وطلب السراج رسمياً من أردوغان التدخل عسكرياً في ليبيا يؤكد «سوء النية» فعلاً.

ويؤكد أيضاً تهديد الاستقرار الإقليمى لأن دخول تركيا على خط الصراع بشكل علني وسافر يشير إلى أن اتفاق ترسيم الحدود ما هو إلا اتفاق مقايضة بين السراج وأردوغان.

حيث يريد الأول الاستمرار في السلطة ولو على حساب دماء الشعب الليبي، في حين يريد الثاني السيطرة على حقول النفط والغاز الليبي وكسر طوق العزلة المفروض حوله الآن.

ربما تكون الضربة الأخطر لاتفاق أردوغان ـ السراج قد جاءت من تونس في الأسبوع الماضي عقب زيارة أردوغان لها والترويج بوجود حلف إقليمي يضم تركيا وتونس والجزائر متفقين على رؤية بشأن ليبيا، إلا أن الرئاسة التونسية تنبهت «للفخ» التركي، وقامت بسرعة بنفي التصريحات الليبية والتركية والتي جاءت على لسان وزير خارجيتة السراج.

مؤكدة في الوقت نفسه عدم انضمام تونس إلى أي أحلاف بشأن ليبيا خاصة مع تركيا بحسب ما جاء بالنص في البيان التونسي الذي قال بالحرف الواحد «موقفنا محايد فى ليبيا، ولم ننضم إلى أي تحالف».

هذا الموقف التونسى الرسمى الذى خرج من الرئاسة التونسية جاء متسقا مع موقف الكثير من الأحزاب التونسية التى رفضت توريط تونس في المستنقع التركي في ليبيا، أو استخدامها كأداة لتحقيق مطامع أنقرة هناك.

على الجانب الآخر فإن مصر رفضت وترفض دائماً جميع أشكال التدخلات الخارجية في ليبيا حرصاً على سرعة تعافي ليبيا وخروجها من أزمتها الحالية .

والتي أدت إلى تفاقم مشكلات الشعب الليبي وأفقدته «أمنه وأمانه» على مدار السنوات الماضية، وبات الشعب الليبي أسيراً للميليشيات المسلحة، وجنرالات الحرب، والجماعات الإرهابية.

والتي تتصارع جميعها للسيطرة على مصادر الثروة الليبية واستنزافها، ونهبها بدلاً من استثمارها لصالح الشعب الليبي.

موقف مصر واضح ومحدد منذ البداية في مساندة الجيش الوطني الليبي برئاسة المشير خليفة حفتر حتى يستكمل مهمته في مكافحة الإرهاب، والقضاء على التنظيمات الإرهابية، والميليشيات المسلحة التي تهدد وحدة أراضي ليبيا، وتهدد الأمن الإقليمي لدول حوض البحر المتوسط.

الاتصالات الأخيرة للرئيس عبد الفتاح السيسي مع العديد من قادة العالم وخاصة الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين، بالإضافة إلى رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي كلها دارت حول ضرورة استعادة الأمن والاستقرار في ليبيا بأقصى سرعة ممكنة.

وتفعيل إرادة الشعب الليبي في تخطي تلك المرحلة الصعبة من تاريخه ليعود الهدوء والاستقرار إلى كامل التراب الليبي، تمهيدا للسير في الاجراءات اللازمة لكي يختار الشعب الليبي ما يريده، ويستكمل بناء مؤسسات دولته من دستور ورئاسة، وبرلمان، وغيرها من الخطوات اللازمة لتحقيق ذلك الهدف.

وضوح الموقف المصري من البداية كان وراء تغيير مواقف الكثير من القوى الإقليمية والدولية التي باتت تؤمن الآن بضرورة مساندة مؤسسات الدولة الليبية وعلى الأخص الجيش الوطني الليبي كي يستعيد زمام السيطرة على الأوضاع الأمنية هناك بعيداً عن الميليشيات.

والجماعات الإرهابية، وجنرالات الحروب التي تتغذى على أوجاع الشعب الليبي، وتمتص ثرواته وكنوزه لتحقيق أهداف قوى الشر التي تعمل على «تطويل» أمد الصراع الداخلي والاقتتال الأهلي بغض النظر عن مصلحة الشعب الليبي.

معارضة مجلس النواب الليبي ترجع إلى أن، أولاً: الاتفاقية لم تعرض على المجلس، وهو صاحب الحق الأصيل في رفض أو قبول تلك الاتفاقية.

وثانياً: لأن توقيت الاتفاق «مريب»، لأنه لم يكن اتفاقًا لترسيم الحدود البحرية بهدف مصلحة الدولتين، لكنه «عربون» قدمه «السراج» إلى «أردوغان» في إطار مقايضة «مفضوحة» لكى يقوم الأخير بإنقاذ السراج من «الورطة» التي يقع فيها الآن بسبب تقدم الجيش الليبي على مختلف الجبهات في طرابلس.

أعتقد أن الأطراف الدولية الفاعلة باتت الآن أكثر وعيًا بحقائق الأمور على الأرض في المنطقة، وباتت أكثر قناعة بضرورة مساندة مؤسسات الدول الوطنية بعد أن أكتوت تلك الدول بنيران الهجرة غير الشرعية واستفحال خطورة الجماعات الإرهابية التي نزحت إليها.

هذا الموقف الدولي الجديد ربما يكون كفيلاً بإفشال مخططات «أردوغان ــ السراج» للمقايضة فيما بينهما لتمكين السراج واستمرار بقائه مقابل سيطرة أردوغان على منابع الطاقة والنفط الليبي وكسر عزلته الدولية، وهى المقايضة المحكوم عليها بالفشل عاجلًا أو آجلًا لتعود ليبيا دولة قوية موحدة كما كانت.

Ⅶ كاتب ومحلل سياسي

 

Email