المسافرون للعلاج

ت + ت - الحجم الطبيعي

الإنسان مُعرَّض للابتلاء في هذه الدنيا، التي هي دار اختبار وتمحيص وفرز لمعادن الرجال وأخلاقهم وتقواهم، ومن هذه الابتلاءات: الأمراض والاختلالات الصحية والبدنية التي قد تصيب الإنسان، قال الله تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}، فوسط تلك الآلام ومن بين تلك الابتلاءات تسطع شمس تشرق لها حياة المبتلين.

وهي تبشير الله للصابرين، المؤمنين بقضائه وقدره، الراجين عظيم فضله ورحمته، الموقنين بعنايته لهم وحكمته، المتوكلين عليه ببذل الأسباب والاستفادة من الفتوحات العلمية التي فتحها على عباده في الوقاية من الأمراض وعلاجها.إن من أهم ما يحتاجه المريض في مسيرته العلاجية التحلي بالأمل والتفاؤل والروح الإيجابية، التي يستمدها من تعميق إيمانه بالله تعالى.

وتقوية ما أعطاه الله تعالى من مواضع القوة في نفسه وتدعيمها، ونصوص الشرع مليئة بالحث على الصبر والتحمل والأمل والتفاؤل والثقة بالله وعدم اليأس والتحلي الدائم بالإيجابية، والنظر إلى الجوانب المشرقة التي يعيشها الإنسان ويتمتع بها، ومتى تحلى المريض بهذه الخصال كان لذلك أكبر الأثر في إنجاح مسيرته العلاجية.

فيكون قوياً متماسكاً منشرح الصدر سعيداً مقبلاً على العلاج بكل رغبة وأمل، وهذا من أقوى حصون الإنسان في مقاومة الأمراض والتي تحميه من القلق الزائد والمخاوف المفرطة التي لها تبعات سلبية عليه، وقد اهتم علماء الشرع بتعزيز هذا الجانب الإيماني لدى المرضى وغرس الروح الإيجابية فيهم، كما اهتم بذلك العلم المعاصر.

فمن فروع علم النفس المعاصرة التي اهتمت بهذا الجانب علم النفس الإيجابي الذي يدعو لتدعيم ما هو إيجابي لدى الإنسان وتقوية نقاط قوته كجزء من مسيرة العلاج ومقاومة المرض، فلا يفقد المريض الأمل والتفاؤل والبشاشة أبداً مهما كان الموقف.

ومن أهم ما يقوي الجانب الإيجابي لدى المريض إيمانه بالقضاء والقدر، فما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، والمحن في طياتها منح من الله تعالى، فقد يدفع الله بالمرض عن الإنسان شروراً كثيرة، ويفتح له أبواب خيرات عديدة، فيكفر عن سيئاته، ويرفع درجاته.

ولذلك جاء في الحديث: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير»، ولِمَا في الابتلاءات من أسرار ربانية جاء في الحديث: «ليودَّنَّ أهل العافية يوم القيامة أن جلودهم قُرضت بالمقاريض مما يرون من ثواب أهل البلاء».

ومن ذلك أيضاً، أن يعلم المريض في دولة الإمارات أنه في نعم عظيمة، فقد اعتنت الدولة غاية العناية بتوفير فرص العلاج المتميزة للمرضى داخل الدولة، كما حرصت القيادة الحكيمة كل الحرص على توفير الدعم المالي الكبير لعلاج المرضى في الخارج في أرقى المستشفيات إذا احتاجوا إلى ذلك، وسخرت المؤسسات الصحية والبعثات الدبلوماسية لتسهيل ذلك وتذليله.

وتوفير الخدمات التي تضمن سلامة المسافرين ومساعدتهم أثناء تواجدهم في الخارج، ولا تزال الدولة تقدم كل جديد للعناية بصحة المواطنين والمقيمين سواء في جانب الوقاية أو العلاج، فجزى الله قيادتنا عنا خير الجزاء.

ومما يحتاجه المسافرون للعلاج في الخارج البحث عن البلد المناسب والمستشفيات المتميزة والأطباء المتخصصين، والتعاون مع الجهات الصحية في الدولة للتأكد من ذلك، فكل ذلك من بذل الأسباب، ومن مقتضيات التوكل على الله تعالى.

ومما يحتاجه المسافر للعلاج ومرافقوه العلم بأن الإنسان أينما كان فهو يمثل وطنه وقيمه، فيلتزم بالتعامل الراقي مع الجميع، والذي يعكس جمال وطنه ومجتمعه، ويبتعد عما يخل بذلك، والإماراتي يمتلك ثروة زاخرة من القيم والمبادئ التي غرسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من الطيبة والتسامح والمعاملة الحسنة مع جميع شعوب العالم.

والانفتاح عليهم بالكلمة الطيبة والفعل الحسن والموقف النبيل، مهما اختلفوا في أديانهم أو أعراقهم أو جنسياتهم، مقتدياً في ذلك بالنبي الكريم عليه الصلاة والسلام الذي قال الله تعالى عنه: {وإنك لعلى خلق عظيم}.

ومن الظواهر التي ينبغي التنبيه عليها هنا محاولة المشعوذين والدجالين استغلال ما يعتري الإنسان من ضعف وأمراض، لإيهامهم بقدرتهم على العلاج والشفاء، فيغتر بذلك البعض، بدافع الرغبة الملحة في الشفاء ولكن بطَرْق الأبواب الخاطئة، فالبعض مع وجود التطور وتوفر فرص العلاج والتشخيص وتوفر أفضل الأطباء نجده يبحث عن المشعوذين والدجالين.

ويتصل بهذا أو ذاك للعثور عليهم، ويوفر لهم التذاكر للحضور، وقد يتستر بعض هؤلاء خلف الرقية الشرعية ليوهموا ضحاياهم بأنهم متميزون، بينما هم في الحقيقة أدعياء ليس لهم أدنى خبرة بالرقية الشرعية، ويتخذون ذلك تجارة وتغطية على شعوذتهم. إن الرقية الشرعية حق.

ولكن لا يكون ذلك بأن يبحث الإنسان عن أي شخص أو يطرق أي باب أو يتكلف في ذلك بالسفر وهدر الأموال وترك أسباب التداوي، وعليه أن يستعين بالله تعالى، ويتوكل عليه، ويكثر من الدعاء واللجوء إليه، وخاصة في السجود وأوقات الإجابة، مستحضراً قول الله تعالى: {وإذا مرضت فهو يشفين}.

* مدير عام مؤسسة رأس الخيمة للقرآن الكريم وعلومه

 

Email