الأزمة السياسية الإسرائيلية حكومية أم دستورية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

المشهد السياسي في إسرائيل، يكاد يكون غير مسبوق في الحياة السياسية الإسرائيلية؛ منذ نشأة إسرائيل؛ عجز معسكر الليكود وحلفاؤه وكذلك عجز معسكر يسار الوسط وحلفاؤه بزعامة بنيامين نتانياهو وبينى غانتس، عن تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد جولتين انتخابيتين للكنيست الحادي والعشرين في أبريل عام 2019، وللكنيست الثاني والعشرين في سبتمبر من العام نفسه، وهو الأمر الذي جعل من الضروري حل الكنيست نفسه، وإقرار إجراء جولة ثالثة لانتخابات الكنيست الثالثة والعشرين في 2 مارس المقبل، وهكذا تشهد إسرائيل إجراء ثلاث جولات انتخابية فيما يقرب من العام.

تتمثل مظاهر الأزمة السياسية في إسرائيل في معادلة الضعف الذي تعاني منه كل التيارات السياسية، والتي أفضت إلى عدم قدرة أي منها على تشكيل الحكومة، وبالتالي فإن إسرائيل تخضع لحكومة تسيير أعمال لمدة تقترب من العام، أي منذ أبريل عام 2019 وحتى 2 مارس من عام 2020 تاريخ إجراء الجولة الثالثة لانتخابات الكنيست الثالثة والعشرين.

من ناحية أخرى، فإن الأزمة الناشئة هي أزمة دستورية وقانونية وسياسية في آن واحد، فمن الناحية الدستورية تعني الأزمة الراهنة أن الدستور أو قوانين الأساس المعمول بها في إسرائيل، كبديل للدستور المكتوب، ليست قادرة على حل الإشكالية السياسية القائمة في المشهد الإسرائيلي، ويعود ذلك إلى أن هذه الأزمة خرجت عن مخيلة واضعي القوانين الدستورية ولم يتنبأوا بإمكان حدوثها على هذا النحو.

أما من الناحية القانونية، فإن القوانين والسوابق القضائية في إسرائيل ليست كافية لمعالجة الأزمة، كما أن المحكمة العليا الإسرائيلية ليس بمقدورها التدخل في الأزمة على النحو الذي يمكن من معالجتها، ذلك أن القانون الإسرائيلي الأساس للحكومة يتيح إجبار الوزير الذي توجه له تهم جنائية على التخلي عن منصبه، وذلك إما من خلال رئيس الوزراء الذي يمنحه القانون هذه الصلاحية، وأما في حالة تقاعس رئيس الحكومة عن القيام بهذه المهمة، فإن المحكمة العليا الإسرائيلية قادرة على إصدار قرار يجبر رئيس الوزراء على عزل الوزير المتهم بتهم جنائية من خلال الاستقالة.

أما فيما يتعلق بالمركز القانوني لرئيس الوزراء فإن الحالة مختلفة تماماً، حيث يحظى رئيس الوزراء بصلاحية الاستمرار في أداء مهامه وممارسة صلاحياته رغم توجيه لائحة اتهام جنائية ضده؛ بل والاستمرار في موقعه طوال فترة التقاضي بمختلف مستوياتها ودرجاتها، إلى أن يثبت القضاء إدانته بشكل بات ونهائي، وفي هذه الحالة فإن ثمة طريقتين لعزل رئيس الوزراء بعد إدانته؛ الأولى عن طريق الكنيست في حالة تزامن الإدانة مع وصمة العار وذلك بالأغلبية، أما الثانية فبعد صدور حكم قضائي نهائي يدين رئيس الحكومة بارتكاب مخالفات جنائية فيتوجب عزله.

وفي حين أن الوزير المستقيل أو الذي أجبر على الاستقالة، بسبب تقديم لائحة اتهام جنائية ضده، يمكنه العودة إلى منصبه بعد تبرئته، فإن رئيس الوزراء لا يسمح له بالعودة إلى منصبه.

والحال أنه في إسرائيل في اللحظة الراهنة من تطور الأزمة السياسية، ليست ثمة جهة قانونية أو قضائية مخولة وفقاً للقانون أو قانون أساس الحكومة؛ للتدخل لعزل رئيس الوزراء «تسيير الأعمال» بنيامين نتانياهو أو إجباره على الاستقالة، ما لم يشعر هو بالحرج من ممارسة مهام منصبه عقب توجيه لائحة اتهام بالاحتيال وخيانة الأمانة والرشوة.

ورغم الإطار القانوني والدستوري الذي يقف خلف هذه الأزمة فإن الفاعلين السياسيين الأساسيين الذين يشغلون المشهد الراهن، يتبادلون على الصعيد السياسي توجيه الاتهامات أحدهما للآخر بأنه من يقف وراء الأزمة الراهنة؛ فبنيامين نتانياهو يأخذ على غانتس زعيم تحالف «أزرق أبيض» بأنه السبب في تعطيل تشكيل حكومة وحدة وطنية لأنه يرفض تبادل موقع رئيس الوزراء بالتناوب مع نتانياهو، الذي صدر في حقه لائحة اتهام جنائية من قبل المدعي العام الإسرائيلي.

وبالمثل فإن زعيم تحالف «أزرق أبيض» يحمّل نتانياهو المسؤولية في نشوب الأزمة الراهنة بسبب رفض الاستقالة والبقاء في منصبه رغم اتهامه والاستمرار في صراعه من أجل تعزيز موقفه في مواجهة النيابة والقضاء بإجراء محاكمته أثناء شغله المنصب، وتطلعه إلى الحصول على حصانة من الكنيست المقبل بافتراض حصول معسكره على الأغلبية، وفي السياق ذاته يحمّل نتانياهو صديقه وحليفه السابق أفيغدور ليبرمان المسؤولية عن الأزمة الراهنة؛ لامتناعه عن الدخول في حكومة يرأسها نتانياهو بالتحالف مع القوى الدينية المتشددة، بينما أن هذا الأخير يحمّل نتانياهو المسؤولية بسبب إصراره على التحالف مع اليمين الديني المتشدد.

وإذا ما نحينا جانباً دورة الاتهام والاتهام المضاد عن المسؤولية في نشوب هذه الأزمة، فإن السؤال الذي يشغل العديد من المحللين الإسرائيليين وغيرهم، هو ما إذا كان ثمة من التغييرات التي يمكن إدخالها على النظام السياسي في إسرائيل بمقدورها الحؤول دون نشوب وتكرار مثل هذه الأزمة.

تتفاوت الإجابة عن هذا السؤال ما بين مؤيد لوجود نص قانوني أو قاعدة قانونية تتيح للمحكمة العليا الإسرائيلية أن تحظى بصلاحية عزل رئيس الوزراء الذي توجه له لائحة اتهام جنائية، بدلاً من الاعتماد على موقفه الشخصي وتقديراته الذاتية بالشعور بالحرج من ممارسة مهامه.

 

 

Email