كاري لام.. وريثة أخطاء أسلافها وتراكمات الماضي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا شك أن السير كريس باتن آخر حاكم بريطاني لجزيرة هونغ كونغ قبل عودتها إلى السيادة البريطانية في الأول من يوليو 1997 يشعر بالأسى وهو يرى الجزيرة التي حكمها، مستقرة وآمنة ومزدهرة، ما بين عامي 1992 و1997 تنزلق إلى الفوضى بسبب الاحتجاجات الشعبية المتواصلة منذ نحو ستة أشهر، بل إن الرجل، الذي يعتبر تاريخياً الحاكم الـ 28 لهونغ كونغ البريطانية، وصف ما يحدث فيها في تصريح أدلى به مؤخراً بـ «الكارثة»، داعياً الأطراف إلى العمل على إجراء مصالحة.

الرئيسة التنفيذية الحالية لهونغ كونغ كاري لام، وهي أول امرأة تتولى هذا المنصب الهام الذي يعادل منصب حاكم الجزيرة أو رئيس حكومتها، فإنها واقعة في مشكلات كثيرة وتفتقد القدرة لإرضاء مواطنيها.

والحقيقة أن ما تمر به كاري لام من مصاعب اليوم تجرعه قبلها أسلافها الثلاثة، وإنْ كانت هي وحدها التي تحصد اليوم تراكمات الماضي في صورة تمرد شعبي غير مسبوق منذ العام 1997.

فالرئيس التنفيذي الأول للجزيرة في عهد الإدارة الصينية كان قطب الملاحة المليونير تونغ تشو هوا وهو الذي راهنت عليه بكين لإدارة الجزيرة، على الرغم من افتقاره إلى خبرات قيادية في المجال السياسي، يمكن أنْ تبرزه كحاكم ناجح وشخصية قادرة على كسب التأييد الشعبي في المرحلة الأولى من عمر الجزيرة تحت السيادة الصينية والتي كانت تحيط بها علامات استفهام عريضة والكثير من الشكوك والغموض والمخاوف والشائعات.

لم يكرهه المعارضون الهونغكونغيون لهذه الأسباب فحسب، وإنما أيضا لكونه من مواليد شنغهاي وليس هونغ كونغ، خصوصاً وأنه كان مديناً للقيادة الصينية بسبب دعم الأخيرة لشركته الملاحية حينما بدت على شفير الإفلاس سنة 1985. وقد صدقت توقعاتهم التي تسببت في خروج تظاهرات تندد به وبتسخير نفوذه المالي والقيادي لجني الأرباح.

حيث شارك في تلك التظاهرات التي اندلعت سنة 2003 نحو نصف مليون مواطن، لا سيما وأن فترة زعامته الأولى من 1997 إلى 2002 شهدت جملة تحديات مثل الأزمة المالية الآسيوية، وانتشار إنفلونزا الطيور، وتفشي وباء سارس، وغيرها من تلك التي تسببت في وفاة المئات من المواطنين إضافة إلى خسائر مالية بمئات الملايين من الدولارات.

ورغم الاحتجاجات على نظامه أعيد ترشيحه لقيادة هونغ كونغ لفترة ثانية من عام 2002 إلى 2007، إلا أنه اضطر للاستقالة قبل انتهاء ولايته بسنتين بسبب مشاكل صحية.

والرئيس التنفيذي الثاني الذي خلف تونغ تشو هوا في عام 2005 وتم التجديد له حتى سنة 2012 كان دونالد تسانغ صاحب التاريخ الطويل في الخدمة المدنية والخبرة في قطاعي التجارة والمال، ناهيك عن أنه كان أول هونغكونغي من عرق صيني يُمنح حقيبة المال في حكومة هونغ كونغ البريطانية، وينال رتبة أعلى قائد فرسان في الإمبراطورية البريطانية قبيل أيام قليلة من تسليم الجزيرة للصينيين، وذلك تقديراً لإنجازاته الاقتصادية والمالية والإدارية في كافة المناصب التي تولاها في تسعينات القرن العشرين.

وقد استبشر الهونغكونغيون بمقدم هذا الرجل الأنيق، الذي عـُرف بـ «عاشق ربطات العنق الأنيقة» كناية عن ارتدائه الدائم لربطات عنق زاهية من نوع الفراشة، فبنوا عليه الآمال العريضة لجهة تصحيح المسار، لكن مشاكله تراكمت وفشل في التجاوب مع مطالب مواطنيه لينتهي تاريخه في أكتوبر 2015 بفضيحة فساد استمر التحقيق فيها لمدة ثلاث سنوات.

أما الرئيس التنفيذي الثالث فقد كان السياسي والقاضي «ساي ليانغ» الذي تولى مسؤولياته من عام 2012 إلى عام 2017 وفضل ألا يترشح لولاية ثانية بسبب تصاعد موجة الاحتجاجات ضد إدارته، تاركاً المنافسة لزميليه كاري لام وجون تسانغ، حيث جرى التنافس بينهما على منصب الرئاسة التنفيذية سنة 2017، ففازت الأولى بنسبة كبيرة من أصوات اللجنة الانتخابية بينما خسر الثاني رغم شعبيته الطاغية ورغم استطلاعات الرأي التي رجحت فوزه، الأمر الذي أرجعه المراقبون إلى تدخلات بكين للحيلولة دون فوزه، لاسيما وأنه تلقى تعليمه في الولايات المتحدة وخدم لأكثر من ثلاثين سنة في وظائف مختلفة خلال الإدارة البريطانية لهونغ كونغ، بل تولى منصب السكرتير الخاص لآخر حاكم بريطاني.

والحال أن «كاري لام» التي يلومها الهونغكونغيون بالتمادي غير المسبوق في قمعهم ربما تدخل التاريخ كأسوأ زعيم لهم منذ تونغ تشو وا.

 

 

Email