«عُقدة العُمر» في حياتنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أتوقع أن السبب الكامن وراء إخفاء المرأة لعمرها يقتصر على أسباب مرتبطة بخشيتها من التقدم في العمر في نظر الآخرين، «فعقدة العمر» أو السن تلازم الرجل والمرأة على حد سواء في مجتمعات كثيرة، ومنها مجتمعاتنا العربية، التي كانت إلى عهد قريب تقدر وقار الشيب، ربما على حساب الشباب، بل وتتغزل به. كقول الشاعر:

عيرتني بالشيب وهو وقار**ليتها عيرت بما هو عار.

وعلى هذا المنوال، تلقى إعلامنا خبر تعيين أصغر رئيسة وزراء في العالم بفنلندا، سانا مارين، من زاوية عمرها (34 عاماً)، ونسي أنها تأتي من حزب ديمقراطي منتخب، وتقود حكومة ائتلافية تقودها نساء، بل وكانت وزيرة النقل وليس الموضوع سن صغيرة فحسب.

وتعد مارين حالياً أصغر رئيسة وزراء في العالم، على اعتبار أن رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن تبلغ من العمر 39 عاماً، في حين يبلغ رئيس الوزراء الأوكراني أوليكسي هونشاروك 35 عاماً.

منطقتنا أيضاً تعج بتجارب شبابية غيرت النظرة للشباب، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قائد شاب وكاريزما ماثلة للعيان، وسبقه جده موحد الجزيرة العربية في سن الشباب الملك عبد العزيز.

ورائد الفضاء السعودي الأمير سلطان بن سلمان كان في العشرينيات، والإماراتي هزاع كان في مطلع الثلاثينات، ونيل أرمسترون نفسه أول من وطأت قدمه سطح القمر كان كذلك ورفاقه في سن الثلاثينيات. وكل من حمل بطولات العالم من كؤوس وميداليات كانوا من الشباب الذين رفعوا أسماء أوطانهم في محافل دولية.

في الكويت حاولت أن أدخل أعمار الوزراء وأعضاء المجلس التأسيس (أول برلمان كويتي) في برنامج excel الحسابي، فوجدت أن نصف أعداد النواب كان من الشباب (24 نائباً من أصل 50)، وفي مقدمة هؤلاء الشباب- آنذاك- الذين اخترقوا البرلمان الطبيب الثلاثيني د.أحمد الخطيب، أيقونة العمل الوطني، ورفيقه سامي المنيس وجاسم القطامي وهم جميعاً من رواد العمل السياسي، وضم أحد أهم التشكيلات الوزارية في تاريخ الكويت عام 1963 نحو 14 وزيراً في العقد الثلاثيني، وهو ما يمثل معظم الوزراء تقريباً، غير أنه ما زالت لدينا في الكويت وغيرها «عقدة العمر» التي تحتاج إلى تشريع وهي ضرورة أن تتجاوز سن 30 عاماً لتصبح نائباً البرلمان أو وزيراً.

والسؤال ما الفارق بين 29 عاماً و30، ذلك أن السن مسألة نسبية، والأصل في المسألة القدرات وليس العمر، وهذا لا يعني تولي مراهق للشأن العام.

وبشكل عام هذه التجارب العالمية تجعلنا نتساءل لماذا نتراجع عن دعم الشباب، وإذا كانت المسألة مرتبطة بالخبرة، فليست الخبرة وحدها هي المطلوبة في العمل القيادي، فهناك شخصيات رأيناها في الخمسينيات والستينيات من عمرها، لكن تفكيرها ما زال بمستوى طالب في الصف الرابع الثانوي، وهذا يعني أن القيادة تحتاج إلى قدرات ذاتية وشيء من الكاريزما، والتدريب، والتأهيل، والرزانة، والحكمة، والأهم البعد عن التهور ونرجسية المنصب، ثم يمنح المرء فرصة التجربة كفترة انتقالية.

وهذا الأمر معمول به في الإدارة وهو تكليف فرد بمهمات قيادية لقياس قدراته (بشكل غير مباشر) ومدى حسن تعامله مع المنصب ومن حوله.

ومهما كان مجتمع الكبار قاسياً على الشباب يجب ألا ينشغل الشباب بتلك المثبطات، بل بالانكباب على الجد والاجتهاد حتى يصدم الشباب كل أفراد المجتمع بعمقهم وجدهم واجتهادهم واستعدادهم لتولي مناصب عليا.

ويجب أن يكون لسان حالهم ما قالته أصغر رئيسة وزراء في العالم سانا مارين: «لم أفكر أبداً في عمري أو جنسي، أفكر دائماً في الأسباب التي دفعتني إلى الانخراط في السياسة، وكذلك الأمور التي جعلتنا نفوز بثقة الناخبين».

 

 

Email