الانتخابات البريطانية ونهاية «البريكست»

ت + ت - الحجم الطبيعي

تستعد بريطانيا للانتخابات البرلمانية التي تجرى في 12 ديسمبر الجاري على أمل أن تفضي لـ «خريطة طريق» واضحة لمسار بريطانيا بعد 31 يناير القادم، وهو الموعد النهائي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فهل سينجح حزب المحافظين بزعامة بوريس جونسون في حسم نتائج الانتخابات وتنفيذ خطة البريكست؟ وماذا عن «النتيجة الرمادية» التي يراهن عليها حزب العمال حتى يعيد الاستفتاء حول الخروج من التكتل الأوربي؟ وإلى أي مدى يمكن أن تعيش بريطانيا عاماً جديداً من «التردد والمماطلة» في 2020؟

يراهن بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، على تحقيق أغلبية مريحة في الانتخابات البرلمانية تسمح له بتحقيق أمرين: الأول الحصول على قوة تؤهله للحديث من موقع أفضل مع الأوربيين وتمرير صفقة البريكست، والثاني قد تساعده الأغلبية في إبرام صفقات اقتصادية كبيرة وسريعة مع التكتلات الاقتصادية الكبرى، والرئيس ترامب مستعد لتوقيع مثل هذا الاتفاق مع جونسون فور خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، ولذلك رشح حزب المحافظين الذي له 317 عضواً في البرلمان 653 مرشحاً في الانتخابات القادمة للحصول على أكبر عدد من المقاعد.

هدية انتخابية

كما حصل جونسون على «هدية انتخابية» من زعيم حزب البريسكت، نايغل فاراج، الذي لن ينافس على المقاعد الـ317 التي يحتلها الآن حزب المحافظين منذ انتخابات 2017، في نفس الوقت سينافس حزب البريكست في الدوائر الانتخابية التي يشغلها حزب العمال وتشمل 300 مقعد، وهو ما يدعم عملياً فرص المحافظين الذين تشير استطلاعات الرأي إلى أنهم متقدمون بأكثر من 8 نقاط على العمال، ويحتاجون للحصول على 345 لتمرير البريكست قبل 31 يناير القادم، والشروع في التوصل لاتفاق تجاري جديد مع الاتحاد الأوروبي، وإذا ما صدقت استطلاعات الرأي وحصل جونسون على 345 مقعداً مقابل 224 مقعداً لغريمه جريمي كوربن فسيكون خروج بريطانيا مؤكداً في يناير2020، ولتحقيق ذلك قدم جونسون مجموعة من الوعود الانتخابية أبرزها أنه سينفذ إرادة الشعب البريطاني التي عبر عنها في استفتاء يونيو 2016 بالخروج فوراً من الاتحاد الأوربي، وتحقيق ما سمّاه «استقلال بريطانيا» كما وعد بتخفيض الضرائب وتحفيز الشركات وخلق فرص عمل جيدة.

السيناريو الرمادي

على الجانب الآخر يراهن حزب العمال على الفوز أو على الأقل استمرار الوضع الحالي، وهو ما يتيح لجريمي كوربن إجراء «استفتاء ثانٍ» بالتعاون مع حزب الديمقراطيين الأحرار الذي تقول استطلاعات الرأي إنه سيحصل على 11% من الأصوات ويؤيدون البقاء في الاتحاد الأوروبي، ويتهم كوربن «أموال حزب المحافظين» بأنها وراء نتائج استطلاعات الرأي الحالية، وأنه على الأرض هناك تفوق لحزب العمال على المحافظين الذين يتهمون بدورهم جريمي كوربن بأنه سيستخدم ورقة مليوني أوروبي يقيمون في بريطانيا للتصويت مع العمال حتى يمكن الذهاب للاستفتاء الثاني على خروج بريطانيا، ومن ثم ترجيح فرص بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، ومن شأن الخروج بنتيجة غير حاسمة أن تؤدي إلى استمرار حالة «عدم اليقين» السياسي والاقتصادي في بريطانيا لنهاية 2020.

أسكتلندا وأيرلندا الشمالية

ربما أخطر السيناريوهات التي يفكر فيها حزب العمال المؤيد لاستمرار الهجرة للمملكة المتحدة هو الموافقة على تنظيم استفتاء على «استقلال أسكتلندا»، حيث تقول نيكولاس سيرجن، زعيمة الحزب القومي الأسكتلندي، إنه يجب إجراء هذا الاستفتاء لأن الخروج من الاتحاد الأوروبي لم يكن خيار الأسكتلنديين، وإن أسكتلندا صوتت لصالح البقاء في التكتل الأوروبي، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الاستفتاء على استقلال أسكتلندا لو جرى هذه الأيام قد يختار الأسكتلنديون الانفصال عن المملكة المتحدة بعد 312 عاماً من الوحدة داخل المملكة المتحدة، حيث شكلت مملكة أسكتلندا مع إنجلترا المملكة المتحدة في 1 مايو 1707.

وهو نفس الأمر بالنسبة لأيرلندا الشمالية التي صوتت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، ويعود الفضل لحزب «ليستر الوحدوي» المرتبط بالمملكة المتحدة في بقاء المحافظين في الحكم بعد فقدان الأغلبية على يد تيريزا ماي في انتخابات 2017، لكن هناك أحزاب وجمعيات أخرى تقول إن الخروج من الاتحاد الأوروبي يتنافى مع تصويت سكان أيرلندا الشمالية بالبقاء في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يهدد بتفتيت المملكة المتحدة، أيضاً هذا الأمر قد يرسل رسائل شعبوية إلى باقي المناطق التي تسعى للانفصال عن الدول الأوروبية مثل إقليمي الباسك وقطالونيا في إسبانيا وصقلية في إيطاليا وغيرها من المناطق الأوروبية الساعية للانفصال، وهو ما يؤكد أننا لسنا فقط أمام سيناريو انفصال بريطاني عن أوروبا بل أمام خطورة تفتت وتقسيم الدولة الوطنية التي تشكل الاتحاد الأوروبي نفسه، وهذا ما لا يتمناه أحد.

 

Email