أفريقيا قارة المستقبل الموعود

ت + ت - الحجم الطبيعي

لفترات طويلة عانت أفريقيا ويلات الحروب والاستعمار، وظلت طوال هذه الفترات نهباً للقوى الاستعمارية، ومقراً لتجارة العبيد، وكانت السفن الأجنبية تأتي إليها ومعها الخراب والدمار وهي محملة بجنود الاحتلال المستعمرين المدججين بالأسلحة، وتعود وهي محملة بخيرات أفريقيا وكنوزها، وأعداد كبيرة من العبيد.

ترك الاستعمار أفريقيا مرغماً وتحت وطأة المقاومة الشرسة من أبناء أفريقيا الأبطال، وبدأت تتحرر الدول الأفريقية واحدة تلو الأخرى، لكن الاستعمار خرج بجسده فقط وترك أفكاره الشريرة، وزرع بذور الفتنة والانشقاق بين أبناء الكثير من الدول التي كانت محتلة، وبين الأشقاء الأفارقة في الدول المختلفة.

الآن بدأت موجة التعافي الأفريقية وتخلصت أفريقيا من أوجاعها ومتاعبها وحروبها إلا قليلاً، ولم تعد أفريقيا أرض الحروب الأهلية، والفقر، والمجاعات، وإنما نجحت دول القارة في الانطلاق إلى آفاق التنمية والتقدم والازدهار.

منذ أيام كانت قمة مجموعة العشرين للشراكة مع أفريقيا والتي حضرها الرئيس عبد الفتاح السيسي بصفته رئيس الاتحاد الأفريقي، وهي القمة التي جاءت عقب سلسلة من القمم الأفريقية مع القوى الفاعلة اقتصادياً في العالم مثل القمة اليابانية ـ الأفريقية، والقمة الروسية ـ الأفريقية، والقمة الأوروبية ـ الأفريقية، وغيرها من القمم المشتركة التي أكدت وبوضوح مكانة أفريقيا الجديدة في العالم.

«هيا بنا إلى أفريقيا.. هناك أسواق المستقبل».. تلك الجملة قالها قبل أسابيع وزير التنمية الألماني «جيرد مولر»، وذلك قبيل انعقاد قمة مجموعة العشرين للشراكة مع أفريقيا.

الجملة تعبر وبوضوح عن تخلص أفريقيا من أوجاعها ومتاعبها، تحدث بها الوزير الألماني إلى القوى الفاعلة والمؤثرة في الاقتصاد الألماني.

يزيد من جاذبية الاستثمار في أفريقيا نسب النمو السريع التي سجلتها الكثير من دول القارة في الوقت الذي يطرأ فيه بعض الفتور، على عجلة النمو الاقتصادي في مناطق أخرى من العالم بسبب الحروب التجارية الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، من جانب، وبعض الدول الأخرى من جانب آخر.

هذا الاهتمام بأفريقيا من جانب ألمانيا ومجموعة العشرين كان وراء إطلاق مبادرة The G20 Compact with AFRican، وهو ما يزيد من فرص نقل التكنولوجيا وتدفق الاستثمارات خاصة في قطاعات البنية التحتية والطاقة والتحول الرقمي وغيرها.

رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي، وطبيعة شخصية الرئيس عبد الفتاح السيسي وما يتمتع به من صفات الإصرار والمثابرة والجدية والسرعة في إنجاز الملفات المختلفة، أسهم في نقل الاتحاد الأفريقي نقلة نوعية كبيرة خلال تلك الفترة، ويكفي إنجاز ملف اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية، ودخولها حيز التنفيذ بعد الموافقة عليها خلال القمة الاستثنائية الأخيرة بالنيجر في يوليو الماضي، بعد أن وافقت عليها 54 دولة، وأقرت برلمانات 27 دولة منها الاتفاقية لتدخل إلى حيز التطبيق العملي ويولد معها أكبر منطقة تجارة حرة في العالم بما تحتوي من 1.2 مليار نسمة.

هذا الإنجاز الهائل جعل من القارة السمراء مصدر جذب لكل القوي الاقتصادية المؤثرة في العالم، فكانت هناك العديد من قمم الشراكة الأفريقية مع فرنسا، واليابان، وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وغيرها.

إلى جوار هذه القمم مع القوى العالمية، كان من المهم أن يكون هناك تجمع أفريقي أفريقي وعلى الأراضي الأفريقية من أجل إيجاد المزيد من لغة التفاهم المشتركة وإزالة كل الحواجز والقيود، فكان مؤتمر «استثمر في أفريقيا 2019»، والذي عقد خلال اليومين الماضيين بالعاصمة الإدارية الجديدة في مصر بهدف إيجاد لغة مشتركة بين الدول الأفريقية أو إزالة العراقيل التي تعترض حركة التجارة فيما بينها، وتنشيط الاستثمارات.

المؤتمر هو النسخة السنوية الثالثة له حيث تم عقد المؤتمرين السابقين في شرم الشيخ، وهذا العام تقررت إقامته في العاصمة الإدارية من أجل إعطاء إشارة رمزية لإمكان تحقيق الأحلام على أرض الواقع، وهو المعنى الذي أشار إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال كلمة الافتتاح.

أفريقيا هكذا يمكن أن تتحول مصدراً لخير كل شعوبها إذا تغلبت على ما يعكر الصفو فيما بين دولها، وتخلت بعض دولها عن أنانيتها، ورؤيتها الضيقة لمصالحها، وأصبحت ثروات أفريقيا الطبيعية وخيراتها مصدراً للتعاون وليس الصراع.

مؤتمرات الاستثمارات من أجل أفريقيا التي عقدت خلال السنوات الثلاث الماضية كانت هي التجمع الاقتصادي الأهم الذي يعقد في داخل القارة، وهي المؤتمرات التي احتضنتها مصر بهدف زيادة التدفقات الاستثمارية فيما بين الدول الأفريقية إلى جانب زيادة الاستثمارات الأجنبية إلى الدول الأفريقية من أجل تحسين مستوى معيشة المواطن الأفريقي خاصة في ظل المؤشرات الاقتصادية الإيجابية التي تتمتع بها القارة السمراء حالياً، والتي جعلتها من أكبر المناطق في العالم الجاذبة للاستثمار.

أفريقيا تملك مقومات استثمارية ربما لا تتوافر في الكثير من مناطق العالم خاصة بما تحتويه من موارد طبيعية، وعمالة رخيصة، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية التجارة الحرة لتصبح السوق الأضخم في العالم.

كل هذه المقومات جعلت من أفريقيا البقعة المضيئة للاستثمار في العالم، إلا أنه يلقي على عاتق الحكومات الأفريقية ـ كما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي ضرورة التكاتف والتلاحم لتحقيق حلم الشعوب الأفريقية في إيجاد الحلول لمشكلات البنية التحتية، وتسريع وتيرة إنجاز مشروعات ربط القاهرة - كيب تاون، وربط البحر المتوسط ببحيرة فيكتوريا، واستكمال مشروعات الربط الكهربائي بما يؤدي في النهاية إلى تحسين حياة الشعوب الأفريقية لتعبر أفريقيا مرحلة التحديات إلى مرحلة الإنجازات.

 

 

Email