ماوراء اتفاق أردوغان والسراج!

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد توصل إلى قناعة بأنه يمكن لبلاده تحقيق أطماعها في المنطقة بشكل علني وبالتوظيف المباشر لأدوات القوة الخشنة، ربما لإحساسه بأن ظروف المنطقة تسمح له بذلك، وربما لأنه وجد أن مشروعه قد بدأ يؤول إلى الفشل التام مع تراجع حلفائه الذين يستخدمهم كأدوات لتحقيق أطماعه، وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية.

فبعد فترة ليست بالقليلة من العملية العسكرية الواسعة التي نفذتها أنقرة في شمال سوريا بحجة إقامة منطقة آمنة، عادت حكومة أردوغان لتعلن توصلها إلى اتفاق أمني وبحري مثير للجدل مع رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج ينتهك بشكل صارخ السيادة الليبية ويعطي لأنقرة غطاءً علنياً لتدخلاتها العسكرية غير المشروعة في بلد عربي آخر.

اتفاق أردوغان والسراج الذي تم الإعلان عنه خلال زيارة الأخير لإسطنبول نهاية الشهر الماضي، والذي جاء في شكل مذكرتي تفاهم بين حكومتي البلدين؛ الأولى حول التعاون الأمني والعسكري بين البلدين، والثانية حول السيادة على المناطق البحرية، هو الخطوة الأغرب والأكثر إثارة للجدل على الإطلاق لأسباب عدة؛ أولها، أنه يخالف صراحة القرارات الدولية ذات الصلة بالأزمة الليبية؛ لأنه يتضمن في جانبه الأمني تقديم الدعم العسكري للميليشيات التابعة لحكومة الوفاق في مواجهة قوات الجيش الوطني الليبي وهو ما يمثل خرقاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن التي تفرض حظر توريد السلاح على ليبيا.

وثانيها، أنه اتفاق مناف للعقل من الناحية الجغرافية، كما وصفته الحكومة اليونانية؛ لأن ليبيا لا تربطها أي حدود بحرية مع تركيا، إلا إذا كانت أنقرة لا تعترف بوجود جزيرة كريت اليونانية التي تفصل بين الساحلين التركي والليبي.

وثالثها أن الاتفاق يخالف الترتيبات السياسية الداخلية في ليبيا التي أقرها اتفاق الصخيرات الذي أوجد حكومة السراج نفسها، والذي ينص على أن مجلس الرئاسة ككل - وليس رئيس المجلس منفرداً - يملك صلاحية عقد اتفاقات دولية، وهو ما لم يحدث؛ حيث انفرد السراج بتوقيع هذا الاتفاق والإعلان عنه من اسطنبول، ولعل هذا ما دفع دول مثل مصر واليونان ودول أوروبية أخرى لوصف الاتفاق بأنه غير شرعي ولا يترتب عليه أي أثر قانوني على مصالح وحقوق الدول الأخرى المشاطئة للبحر المتوسط، كما أنه يعقد الأزمة الليبية التي كان يؤمل أن تجد طريقها للتسوية السلمية، ولكن هذا الاتفاق أعاد أزمة الثقة بين أطراف الأزمة للمربع الأول.

هذا الاتفاق الذي أثار سخط الليبيين لأنه ينتهك سيادتهم، وأثار انتقادات العديد من الدول العربية والأوروبية، تسعى تركيا أردوغان من ورائه إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية، تمثل في مجملها تهديداً للأمن القومي العربي عامة، ولسيادة ليبيا وأمنها خاصة، أولها أن هذا الاتفاق يعطي لأنقرة مبرراً أو غطاءً لزيادة دعمها العسكري للميليشيات التابعة لحكومة الوفاق لتغيير الواقع على الأرض لمصلحتها بعد تراجع هذه الميليشيات الواضح وتقهقرها أمام الجيش الوطني الليبي، الأمر الذي كان من شأنه أن يهدد النفوذ التركي في ليبيا، حيث تراهن أنقرة منذ بداية الأزمة الليبية على هذه الميليشيات لتعزيز نفوذها هناك.

وثانيها، أن هذا الاتفاق وما قد يترتب عليه من زيادة الدعم العسكري والأمني التركي للميليشيات الإرهابية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين والقوى المتحالفة معها، من شأنه أن يقوي من شوكة التنظيمات الإرهابية في ليبيا بعد هزيمتها في دول ومناطق أخرى.

وثالثها، أن أنقرة تحاول من خلال هذا الاتفاق، ولاسيما شقه البحري تحقيق أطماعها في غاز شرق المتوسط، والذي تخوض من أجله صراعاً مريراً مع دول مثل قبرص واليونان ومصر.

وإذا كانت أجندة تركيا وأطماعها في المنطقة معروفة، فإن الجديد الذي يستحق الوقوف عنده هو موقف رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، الذي فرط في سيادة بلاده، وسعى إلى توقيع اتفاقيات تضر بالأمن العربي ككل، وليس فقط بأمن ومصالح الشعب الليبي، فهذا الموقف يتطلب اتخاذ موقف عربي جماعي جاد تجاهه، يستهدف إعادة هذه الحكومة إلى النهج الذي يقود إلى تسوية سياسية تحقق مصالح الشعب الليبي في الاستقرار والتنمية بعيداً عن الخضوع لإملاءات قوى أجنبية تعمل على نشر الفوضى والاضطرابات في المنطقة العربية.

 

ـــ كاتبة إماراتية

Email