دول الخليج العربي وأمن البحر الأحمر

ت + ت - الحجم الطبيعي

في مؤتمر عقد في مدينة دبي المحروسة، اجتمع لفيف من الخبراء والمهتمين بالسياسة والاستراتيجية لبحث موضوع مهم ومركب يتعلق بالبحر الأحمر تحت عنوان «دول الخليج في عالم متعدد الأقطاب: البحر الأحمر مسرحاً» برعاية مركز دبي لبحوث السياسات العامة بتاريخ 25-26 نوفمبر.

ويعتبر البحر الأحمر بحراً عربياً بامتياز حيث إن كل الدول المشاطئة هي دول عربية، ما عدا إريتريا، والتي تتمتع بعضوية مراقب في الجامعة العربية. كما أن مجمل جزر البحر الأحمر هي جزر تمتلكها دول عربية.

وبذلك يكون البحر الأحمر فضاءً جيوسياسياً مهماً ومعقداً وجوهرياً للأمن القومي العربي. وبالنسبة لدول مجلس التعاون فإن البحر الأحمر بالإضافة إلى أن المملكة العربية السعودية تمتلك أطول ساحل عليه، فإن هذا البحر يشكل الحافة الغربية للدفاع عن شبه الجزيرة العربية.

ويكتسب البحر الأحمر أهمية استراتيجية كونه يصل ثلاث قارات مهمة وهي أفريقيا وآسيا وأوروبا. كما يصل البحر الأحمر المحيط الهندي بالبحر الأبيض المتوسط ومنه إلى المحيط الأطلسي. فهو معبر استراتيجي مهم وتتحكم مضايق البحر الأحمر المتمثلة باب المندب جنوباً وقناة السويس شمالاً بكم هائل من التجارة الدولية.

كما يعد البحر الأحمر ممراً مائياً مهماً للطاقة إذ يمر حوالي 60% من حاجات الطاقة الأوروبية و25% من حاجات الطاقة للولايات المتحدة من خلاله. كما أن البحر الأحمر معبر مهم للبضائع. ويقدر نحو عشرين ألف سفينة تمر من هذا المعبر المائي.

ولا تقتصر أهمية البحر الأحمر على الدول المشاطئة ولكن تشمل أيضاً دولاً لها مصالح حيوية في هذا الممر المائي المهم. فدولة مثل إثيوبيا فهي مغلقة ليس لها منفذ بحري تعتمد على البحر الأحمر عن طريق جيبوتي لاستقبال وتصدير بضائعها من وإلى الخارج. كما أن هناك دولاً مصدرة للبضائع وأخرى مستقبلة تمتد من دول آسيا إلى دول أوروبا وأمريكا تستخدم البحر الأحمر كرابط بين البحار والمحيطات المفتوحة.

ويؤكد المؤتمر هذه الحقيقة، حيث يذكر في افتتاحية برنامج الاجتماع أنه «يوجد اهتمام دولي بأمن وسلامة هذا الممر الدولي الحيوي، والذي يؤثر على حركة الملاحة والتجارة الدولية. بالرغم من أهمية أمن واستقرار وتنمية دول الجوار الإقليمي، إلا أن حركة الملاحة في هذا الممر المائي المهم لها أبعاد دولية يجب عدم إغفالها، بحيث يعد البحر الأحمر عاملاً مهماً في ضمان الأمن والسلم الدوليين بما يمثله من صلة وصل بين الشرق والغرب، وبالتالي تنافس الدول لتجد موطئ قدم لها فيه».

وقد ناقش المؤتمر محاور عدة تتعلق بديناميكيات التعددية القطبية في منطقة البحر الأحمر. وبسبب توسع التجارة بين الصين وأوروبا أصبح هذا الممر المائي ذو أهمية استراتيجية. وعندما تفاقمت أعمال القرصنة والتي أتت من الأراضي الصومالية هرعت الصين ودول أخرى للتصدي لهذه الأعمال. كما أن نمو الأعمال الإرهابية وصعود حركة الحوثي في اليمن أدت إلى قلق دول الخليج العربي من هذه التطورات وكان أن دعمت الحكومة الشرعية لاستعادة سيطرتها على أراضيها ودحر النفوذ الأجنبي المستشري، والذي يهدد أمن دول مجلس التعاون.

وفي هذا المضمار تطرق المؤتمر في المحور الثاني لآليات التعاون الإقليمي لتعزيز التعاون الاقتصادي وتثبيت الأمن والاستقرار السياسي. وقد عمدت المملكة العربية السعودية لخلق تجمع إقليمي لدول البحر الأحمر للضلوع بقضايا أمن المنطقة. وعقد اجتماع في الرياض في 12 ديسمبر 2018 لتأسيس كيان جديد يجمع سبع دول مشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن يعرف اختصاراً بـ «ارسقا» لتكثيف الجهود لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة وتطوير اقتصادات المنطقة عبر التجارة والاستثمار.

وفي ثلاث جلسات منفصلة دار نقاش حول اليمن بعد الصراع ومتطلبات التنمية والدور الذي يمكن أن تلعبه اليمن في تعزيز أمن المنطقة. والجلسة الثانية عالجت قضية السودان في المرحلة الانتقالية وارتباطه باستقرار أمن البحر الأحمر. وأخيراً منطقة القرن الأفريقي والتي تشمل الصومال، إثيوبيا، وإريتريا. وناقشت هذه الجلسة تدعيم السلام بين هذه الأقطار بما يعود على تعزيز أمن المنطقة واستقرارها.

واستمرت الجلسات لليوم التالي، حيث استهلت بجلسة حول المقاربات المختلفة للقوى الدولية لقضية أمن البحر الأحمر. وقد استعرض ثلاث أوراق حول اهتمام دول مجلس التعاون الخليجي بأمن البحر الأحمر لأسباب تتعلق بمصالح أمنية وتجارية وموارد اقتصادية. فالمملكة العربية السعودية تقيم مشاريع اقتصادية على البحر الأحمر مثل نيوم. كما أن الولايات المتحدة مهتمة بموضوع أمن البحر الأحمر على أساس أن السيطرة على المعابر البحرية تمنح الدول قدرة إلى الانتشار والهيمنة الدولية. وأخيراً، قدم المؤتمر وجهة نظر تخص حلف الناتو والذي يرى أن الأخطار المحدقة بأوروبا مصدرها جنوب المتوسط.

هذا بعض مضامين المؤتمر المهم. والرسالة الواضحة أن على الدول العربية صاحبة الدور الأول أن تقوم بتأمين حدودها البحرية ومعابرها الاستراتيجية، والتي تقع ضمن الفضاء العربي لئلا يستغل المتربصون الفراغ لحشد قواهم وتهديد الأمن القومي العربي.

 

ـــ كاتب وأكاديمي

Email