من المسؤول عن الانفجار السكاني

ت + ت - الحجم الطبيعي

كل إنسان في الكون مسؤول حسب المجال الخاص به، سواء كانت المسؤولية تجاه الأسرة أو العمل أو الوطن أو غير ذلك من الميادين.. والمسؤولية التي أريد التحدث عنها اليوم، هي مسؤولية الفرد تجاه أبنائه وتجاه الوطن، فالإنجاب بلا ضابط أو رابط وبدون إعمال العقل، هو بمثابة الخطر الداهم الذي قد يهدد مصر، لا قدر الله، لو تخاذلنا في مواجهته، لأن «الانفجار» السكاني ليس مجرد وصف عابر، أو تشبيه، بل هو بالفعل، انفجار، بالمعنى الحقيقي، أي تفتيت مجال تأثيره..ولا أنسى أبداً قصة، د.يوسف ادريس، أعظم كاتب قصة قصيرة في رأيي، وهي قصة «أرخص ليالي» حيث وصف كاتبنا العبقري حال رجل من قرية مصرية، في الساعات الأخيرة من النهار، وهو مفلس تماماً، ولا يجد مكاناً بين ما طاف به، يستقبله «مجاناً»، فهو لا يتحكم في أي مبلغ مهما كان ضئيلاً، يحتسي به كوب شاي على المقهى.

وطبعاً ليس بالقرية أي أماكن أو وسائل ترفيهية، مثل دار سينما أو مسرح، وطبيعي أن من لا يملك ثمن كوب من الشاي على مقهى، لن يحلم بارتياد سينما أو مسرح بفرض وجودهما. المهم أن الرجل اضطر للعودة إلي بيته حيث زوجته مع العديد من الأطفال، وقضى الليلة، مستمتعاً، بأرخص ما يكون، أو بلا أي ثمن، ولكن نتيجتها الرهيبة، ظهرت بعد أشهر الحمل، بوافد جديد انضم إلى جيش العائلة.

وللأسف لم تحظ القصة، التي تعد بمثابة «نبوءة» بالاهتمام الجدير بها ومحاولة علاج الآفات الاجتماعية التي استفحلت بكل أسف في العقود الأخيرة، بفوز ثقافة ظلامية، تحرم بضراوة تنظيم النسل، ولا تشعر بأدنى تأنيب ضمير من الإخلال المخجل بمسؤولية تربية الأطفال تربية سليمة، من الغذاء، إلى التعليم، وهو ما تجسده مأساة الملايين من أطفال الشوارع، والذين حذر أكثر من صوت بأنهم، قنبلة موقوتة، والغريب أن نشاهد رجلاً يشير إلى فمه، في طريق السيارات، وهو يردد انه جوعان وأن لديه ثمانية أطفال لا يجد لهم طعاماً، ثم يتمادى في التنصل من مسؤوليته الإنسانية، بالشكوى من عدم مساعدة الحكومة وأن عليها إطعام أبنائه!!! وكأن الدولة تعاني من نقص في السكان، ولا تئن من هول الزيادة السكانية التي تصل سنوياً إلى مليونين ونصف مليون نسمة، أي ما يعادل دولة كبيرة تحتاج إلى غذاء وسكن وتعليم ووظائف، ولا يدرك أمثال هذا الرجل أنه المسؤول الأول عن الأوضاع الاجتماعية التي يعيش فيها أبناؤه، وأن عبء استقبال مليونين ونصف مليون طفل سنوياً، تنوء بحمله دول لديها فائض في الإمكانيات والثروات.

وأنه كان يمكنه الاكتفاء بابنين أو ثلاثة على أكثر تقدير، والاهتمام بتنشئتهم نشأة محترمة، ينالون فيها ما يستحقون من رعاية أسرية وتعليم وفوق ذلك كله، الإحساس بالكرامة التي تهدرها أوضاعهم الاجتماعية بالتسول، والنوم في الشوارع، بلا سقف أو حنان أسري..لقد كنا ثلاثين مليون نسمة في أواخر ستينيات القرن الماضي، وهو ما توثقه أغنية عبد الحليم حافظ الخالدة، كلمات شاعرنا العظيم صلاح جاهين المسؤولية، والتي يقول فيها مخاطباً القائد: اطلب تلاقي تلاتين مليون فدائي..فإذ بنا بعد حوالي نصف قرن نتعدى المائة مليون نسمة، بنفس رقعة الأرض الزراعية تقريبا، نفس النيل، أي أن ما كان يوزع على ثلاثين مليوناً أصبح يوزع على مائة مليون..ولا يقدر من يتركون الانفجار السكاني يتفاقم، إن الدولة مطالبة ببناء مدارس ومستشفيات ووسائل نقل لدولة إضافية سنوياً..فهل نعي فداحة أرخص ليالي التي ستكلفنا غالياً، بل غالياً جداً، إذا تجاهلنا هذا الخطر؟

 

ـــ كاتبة ومحللة سياسية

Email