العبث الأردوغاني يهرب إلى ليبيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يعرف الرئيس التركي أردوغان أكثر من الجميع أن ما وقعه أخيراً من اتفاقات بشأن ليبيا لا صلة لها بالقانون الدولي ولا علاقة للشرعية بها، يظن أنه يهرب من الحقيقة وكأنه يقول إنه هنا ما زال في مرحلة «الشروع في الجريمة» التي لم تقع بعد!

لكن أردوغان لا يدرك أن سجله بهذا الشأن لا يدع مجالاً للشك في أنه يستكمل مهمته في نشر الدمار في المنطقة، وأن التفاهم الوحيد الذي يعرفه هو تفاهمه مع الإرهاب الذي يدعي زوراً تمثيل الإسلام، وأن الطريق الذي يسير فيه لا يتحكم فيه إلا أمران: السعي المتواصل للهروب من أزماته داخل تركيا إلى حيث يثير المشكلات والصراعات في الخارج، ثم هذا «الهوس» الذي لا علاج له الذي يهيئ له أنه المختار ليكون سلطان المسلمين، وأن يعيد «مجد» السلطنة العثمانية التي لم تر منها الشعوب العربية بالذات إلا كل ما هو متخلف وظلامي وغير إنساني على مدى قرون من احتلال ما زلنا ندفع ثمنه الفادح حتى الآن.

كان أمام الرجل فرصة هائلة لتصحيح المسار، حين أسقطت مصر حكم الإخوان، وبات واضحاً فشل مخطط فرض هيمنة الجماعات المتأسلمة على المنطقة، الذي كان أردوغان أحد المراهنين الكبار والمشاركين في التآمر من خلاله ليكون طريقه إلى «السلطنة» الجديدة.

لكن فرصة التصحيح ضاعت، لأن الرجل كان قد أصبح رهينة السلطنة والتحالف مع الإرهاب الإخواني. أعلن الرجل خصومة لا عقل فيها ضد مصر، وحوّل بلاده إلى مركز لقيادات الإخوان، ثم ممر لعصابات الدواعش وغيرها، ركز أردوغان جهده لدعم الإرهاب وهو يدمر سوريا وليبيا والعراق، ولمحاولة إيجاد نقاط ارتكاز له في كل بقعة تتيحها له عصابات الإرهاب ومن يدعمونها.

ورغم توالي النكسات الداخلية، فإن الرجل كان قد حدد مصيره، ولم يعد أمامه إلا الانتقال من مغارة خارجية لأخرى بينما بلاده على شفا الانهيار الاقتصادي، كان الأتراك أنفسهم يتصورون أن غزو سوريا سيكون درساً يضع حداً لهذا الهوس الأردوغاني، لكن ها هو يبدأ فصلاً جديداً من هذا الهوس بتوقيع «مذكرات سوء التفاهم!»، التي تسيطر من خلالها ميليشيات الإرهاب على العاصمة الليبية طرابلس.

تدخل «الحالة الأردوغانية» منعطفاً جديداً مع هذا التطور، ربما لا يدرك صاحبها نفسه مدى خطورتها. يفتح الرجل ملف التدخل التركي في الصراع الدائر في ليبيا. وتفتح معه كل ملفات العلاقات بدول الجوار الليبي بعد أن وضع نفسه شريكاً لعصابات الإرهاب، ثم يفتح أيضاً ملف خلق المشكلات المفتعلة في حوض البحر المتوسط من أجل الابتزاز الذي أصبح متخصصاً فيه.

بالنسبة للداخل الليبي.. لم يكن خافياً أن أردوغان متواجد منذ البداية عن طريق دعم الإخوان، ثم الوقوف إلى جانب الميليشيا التي تحاول إيقاف زحف الجيش الوطني الليبي لتحرير العاصمة وفرض سلطة الدولة الموحدة وضرب بقايا عصابات الإرهاب. وانتهاكاً لكل القرارات الدولية وضع أردوغان إمكانات تركيا في خدمة الميليشيا الإرهابية، وبعد أن ضبطت شحنات السلاح المهربة من أردوغان لهذه الميليشيا وأسقطت الطائرات التي أرسلت لقتال الجيش الوطني الليبي، يحاول أردوغان الآن من خلال اتفاقات غير شرعية أن يضفي نوعاً من الشرعية التي لا وجود لها على مشاركته في القتال في صف الإرهاب!

وربما يمهد أردوغان الطريق لوجود عسكري تركي أكبر على أرض ليبيا بكل ما يعنيه ذلك من احتمالات صدام أكبر وأخطر، ومن تعطيل لجهود الحل السياسي الذي حقق تقدماً كبيراً، ومن إطالة أمد الصراع وفتح الباب أمام احتمالات تقسيم يتصور أردوغان أنه سيمكنه من الحصول على ما يعتبره نصيبه من الثروة الليبية (!)، وما يتصور أنه تأكيد لنفوذ موروث في هذه البقعة المهمة من الأرض العربية.

ولا تتوقف أطماع أردوغان وهلاوسه على الأرض العربية الليبية، وإنما تمتد إلى المياه الإقليمية الليبية، حيث يفرض من خلال هذه الاتفاقيات غير الشرعية اقتسام مياه لا علاقة لبلاده بها، وشراكة يسعى لفرضها بالبلطجة في ثروات البحر المتوسط من الغاز، ويدخل ليبيا طرفاً في معركة يخوضها بالفعل مع قبرص واليونان «ومعهما الاتحاد الأوروبي»، ومعرضاً مصالح كل دول المتوسط لمخاطر صراع يخوضه بمنطق الابتزاز.

لقد رفضت مصر على الفور هذا العبث الأردوغاني الذي يفتقد للشرعية، واعتبرت هي واليونان وقبرص أن هذا العبث لا يمكن أن يمس الحقوق الثابتة والشرعية في البحر المتوسط، لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد، لا أحد يريد صراعاً مفتوحاً مع تركيا، ولا أحد يريد أن تدفع ليبيا أثماناً مضاعفة لتحالف أردوغاني - إخواني يستهدف إغلاق الطريق أمام الحل السياسي، ويسعى لأن تكون ليبيا منطلقاً جديداً للأوهام التي سقطت.. لو أن أردوغان يقرأ الأحداث جيداً لفهم معنى أنه في اليوم نفسه الذي أعلن فيه عن مذكرة «سوء التفاهم!» حول ليبيا.. كان السودان يصدر قرارات تفكيك نظام البشير ويحل حزب المؤتمر الوطني، وكانت مصر تصدر حكم الإعدام على الإرهابي «العشماوي» الذي جعل من ليبيا مقراً له لارتكاب جرائمه البشعة في مصر، وكانت أحداث العراق ولبنان وإيران تقول إن أوهام التوسع مصيرها السقوط، وأن إنشاء الميليشيا أو التحالف معها لا يحمي «إمامة» ولا يقيم «سلطنة»!

سيقف شعب ليبيا ضد هذا العبث الأردوغاني المخالف للقوانين والمعادي لليبيا، وسيحاسب من جرؤ من مسؤوليه على مشاركة أردوغان هذا العبث، وسترفض دول الجوار محاولة أردوغان تحويل ليبيا إلى قاعدة أساسية للإرهاب، وسترفض أوروبا الابتزاز الأردوغاني في ملف الغاز بعد الابتزاز في ملف الدواعش، وسيكون العالم كله مطالباً بالسير قدماً نحو فرض الحل السياسي الذي يضرب الإرهاب ويمنع التدخل الأجنبي ويستعيد الدولة الليبية ويفرض وحدتها.

يبدو أن قدر ليبيا أن تشهد نهاية الكثير من الأوهام وسقوط العديد من الهلاوس والحماقات!

* كاتب صحافي

Email