بريطانيا «متحدة» بالاسم فقط بسبب السياسيين

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ظل ارتفاع موجات الكراهية، والقوميات المتنافسة، تهدد الانتخابات بالمزيد من الشرخ في الشارع البريطاني، الأمر الذي يوجب تحركاً إلزامياً للأحزاب.

يمكن لانتخابات شهر ديسمبر المقبل العامة أن تسهم في حل بعض أبرز التحديات التي تواجهها البلاد وأكثرها إلحاحاً بما في ذلك العلاقة مع أوروبا ومصير حالة التقشف، ومستقبل هيئة الخدمات الصحية الوطنية، التي تستوجب لزاماً تأليف حكومة عمالية.

غير أن هناك أمراً آخر، أكثر جوهرية يتعلق بطابع البلاد، ويشكل اختباراً على مستوى أكثر عمقاً، علماً أنه سيلزم أكثر من عملية انتخابية لتخطي الانقسامات المتعمّقة في البلاد، وللتخلص من السموم التي ما تنفك تفسد الخطاب والمسار السياسيين. إننا نصبح مملكةً «متحدة» بالاسم وحسب.

وكشف استطلاع أجرته مؤخراً منظمة «الأمل لا الكراهية» بأن 77% من الشعب البريطاني يعتقدون اليوم بأن البريكست يغذي التعصب ويمعن في انقسام الشارع أكثر من أي وقت مضى، مشيراً إلى أن البريطانيين على خلاف أكبر فيما بينهم اليوم أكثر مما كانوا وقت فرض الضرائب، وحرب العراق.

وأخطر من كل ذلك أن 67 % من الناخبين السود والآسيويين والأقليات الإثنية يشعرون بقوة تزايد حدة موجات العنصرية، حيث أشار 56% منهم إلى التعرض للمضايقات خلال العام الماضي. وأظهر 70% ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً تعرضهم للترهيب العنصري عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وتمتد انقسامات بريطانيا المتفاقمة خارج نطاق البيئة العدائية والصراع الحالي بين مؤيدي البريكست والمعارضين له. وتطال حدتها الانقسام بين الشمال والجنوب والأثرياء والفقراء وبين الأمم الأربع التي لم تشكل إلا قبل وقت حديث المملكة المتحدة المتماسكة. وقد سبق أن شهدت البلاد بعد أيام قليلة فقط على انطلاق الحملات الانتخابية الانحدار بشكل أسرع من التحضّر إلى الحقد والضغينة.

ويبرز من ضمن الأمور الجوهرية التي شهدتها سياسة التقسيم والكراهية المنتشرة في بريطانيا، استبدال الوطنية المنفتحة على الخارج بقوميات ضيقة عدائية تحتاج الأعداء وتخترع وجودهم بهدف جعل توحيد البلاد حول هدف واحد أو اتجاه مشترك أمراً مستحيلاً.

ويتبلور خطر حقيقي أبعد من التئام جراح البلاد، يتمثل في أن تعمل الأسابيع الثلاثة الأخيرة من الحملات الانتخابية على المزيد من الشرذمة في البلاد. فبوريس جونسون، رئيس الوزراء الحالي يجيّش باتجاه بريكست صعب.

وهو يذكّرنا من خلال النزوع إلى خروج بلا اتفاق بالكاد تفاديناه في أكتوبر على الأرجح بسبب الموعد النهائي لاتفاق التجارة الذي حدده هو في ديسمبر 2020، بأن المحافظين يهددون ببريطانيا أكثر تعصباً، وإغلاقاً وانعزالاً، ومجتمعاً غير متساوٍ، متفلتاً من الرقابة.

ستشهد الأيام المقبلة إعلان كل من المسؤولين السياسيين عن بيانه الانتخابي، وبينما يحسمون التزاماتهم، لن يكون الوقت متأخراً جداً للأحزاب الجدية بأن ترتقي إلى مستوى إعادة توحيد البلاد المتصدعة، مقطعة الأوصال.

ولا بدّ لركائز البنيان الأساسية أن تكون بديهية لناحية الإجراءات الجذرية لوضع حدٍّ لحالة انعدام الأمان الاقتصادي الذي يشكل أرضية خصبة للشعبوية، ورفض النزعات القومية التقسيمية والتعصب والعنصرية من أي جهة أتت، وفرض قوانين وقواعد جديدة لمناهضة معاداة السامية والإسلاموفوبيا، والتواصل الحقيقي مع الجماهير من مواطنين وهيئات إلى الجمعيات الدستورية وضم جميع أمم المملكة المتحدة ضمن مشروع لإصلاح المؤسسات السياسية المهترئة.

الأمر ببساطة يشير إلى حاجة بريطانيا لوعد باتخاذ قرارات جامعة مبدئية، ورفض للحكومة المتعصبة التي لا تخدم سوى المصالح الحزبية الضيقة. بهذه الطريقة يمكن لبريطانيا إعادة تمكين قيم التسامح والتضامن وتلبية طموحات التعاون والمشاركة التي جعلت من المملكة الدولة متعددة الجنسيات الأكثر نجاحاً في التاريخ.

 

 

Email