مصر والإمارات نموذج العلاقات العربية ـ العربية
العلاقات المصرية ـ الإماراتية تصلح أن تكون نموذجاً يحتذى في العلاقات العربية ـ العربية لما تتمتع به من استقرار ومكانة ونمو مستمر منذ عهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، طيب الله ثراه، الذي كان قائداً شجاعاً وزعيماً ملهماً محباً للعرب عموماً، ولمصر خصوصاً، وصاحب أول تجربة عربية وحدوية حينما نجح في تأسيس اتحاد الإمارات العربية.
أيضاً نجح الشيخ زايد في تأسيس علاقة استراتيجية مع مصر، اتسمت بالصدق والوضوح والإخلاص، وكان له العديد من المواقف القوية والواضحة في مساندة مصر في صراعها ضد العدوان الإسرائيلي، وهو صاحب مقولة «النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي».
الآن تمر العلاقات المصرية ـ الإماراتية بأفضل مراحلها على الإطلاق نتيجة التقارب بين القيادتين بما يسهم في تعزيز التعاون العربي المشترك، والوقوف كحائط صد أمام مخاطر الإرهاب التي تجتاح المنطقة، في وقت تورطت فيه بعض الدول الأخرى في دعم الإرهاب ومحاولة إشعال نيران الفتن والمؤامرات
. زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لدولة الإمارات العربية الشقيقة الأخيرة جاءت في توقيت شديد الحساسية والأهمية في آن واحد، حيث سبق الزيارة بأيام قليلة توقيع اتفاق الرياض في الخامس من نوفمبر الجاري بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي.
وهو الاتفاق الذي رحبت به مصر والإمارات على اعتبار أنه يأتي في إطار الجهود التي تحافظ على وحدة وسيادة اليمن، ويراعي مصالح الشعب اليمني في استعادة أمنه واستقراره، ووقف التدخلات الأجنبية فيه. كان للجانبين أيضاً موقف موحد من الأزمة الليبية ورفض كل المظاهر المسلحة والجماعات الإرهابية والميليشيات المتطرفة.
وتأكيد الدعم الكامل للجهود التي يبذلها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة في سبيل التوصل لحل الأزمة. كما تطرق الجانبان أيضاً إلى أزمة سد النهضة الإثيوبي.
وأكد اترحيبهما بالوساطة الأمريكية، ووحدة موقفهما من تلك الأزمة، وضرورة التوصل إلى اتفاق وحل نهائي لهذه المشكلة بحد أقصى قبل منتصف يناير المقبل وفقاً لما تم الاتفاق عليه في اجتماعات واشنطن الوزارية الأخيرة.
في المقابل، ساندت مصر الإمارات في موقفها من احتلال الجزر الثلاث «طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى»، وأكد الجانبان سيادة دولة الإمارات على تلك الجزر المحتلة من جانب إيران، ودعوة الجانب الإيراني إلى الاستجابة لنداء السلام الإماراتي بإيجاد حل سلمي لقضية الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة، إما من خلال المفاوضات المباشرة أو باللجوء إلى محكمة العدل الدولية.
رغم أهمية كل هذه المواقف السياسية وضرورتها لم تكن السياسة وحدها المهيمنة على القمة المصرية ـ الإماراتية، إنما امتدت أيضاً إلى الشراكة الاقتصادية في إطار تدعيم العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وفي هذا الإطار تم إطلاق أول منصة استثمارية استراتيجية مشتركة بقيمة 20 مليار دولار مناصفة بين شركة أبوظبي التنموية القابضة، وصندوق مصر السيادي بهدف تأسيس مشاريع استثمارية واستراتيجية مشتركة.
وكذلك إنشاء صناديق متخصصة وأدوات استثمارية في قطاعات مختلفة مثل الصناعات التحويلية والتكنولوجية والأغذية، إضافة إلى العقارات والسياحة والرعاية الصحية والخدمات اللوجيستية والخدمات المالية والبنية التحتية وغيرها، بما يؤدي إلى تقديم رؤية مبتكرة جديدة لمفهوم تضافر الجهود، وتنفيذ استثمارات تحقق عائداً مربحاً للطرفين.
العلاقات الاقتصادية بين مصر والإمارات شهدت طفرة غير مسبوقة بين الجانبين سواء من حيث حجم التبادل التجاري أو الاستثماري، حيث تتبوأ الإمارات المركز الأول عالمياً كأكبر مستثمر في مصر بإجمالي استثمارات بلغت 6.8 مليارات دولار، وبعدد شركات يصل إلى 1141 شركة إماراتية تعمل في العديد من المجالات الإنتاجية والخدمية في مصر.
أيضاً، فقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين مصر والإمارات ليصل إلى 3.3 مليارات دولار خلال العام الماضي بزيادة 50% عن عام 2015.
هذه المؤشرات تؤكد عمق وقوة الشراكة المصرية - الإماراتية، مما انعكس على زيادة التبادل التجاري غير النفطي فيما بين الدولتين بنسبة زيادة بلغت 14.6% في العام الماضي على العام الذي سبقه، مما جعل مصر الشريك التجاري السادس عربياً، والشريك الـ21 عالمياً للإمارات.
بينما تمثل الإمارات الشريك التجاري الثاني عربياً، والعاشر عالمياً لمصر. كل ذلك انعكس على زيادة حركة تنقلات الأفراد والمواطنين بين الدولتين والتوسع في رحلات شركات الطيران بما يسهم في تلبية احتياجات المواطنين في الدولتين.
* رئيس مجلس إدارة «الأهرام»