الصراع حول قيادة أفغانستان بين غني وعبدالله

ت + ت - الحجم الطبيعي

إذا كانت الانتخابات في بعض الدول المتحضرة المستقرة أمنياً وسياسياً تدور حولها أحياناً شبهات الفساد، فما بالك بدولة متخلفة ليس لها تاريخ عريق في الأصول الديمقراطية وكيفية إدارة انتخاباتها العامة والرئاسية بشفافية وحرفية مثل أفغانستان التي جرت فيها مؤخراً انتخابات عامة يفترض أن تأتي ببرلمان جديد وحكومة جديدة، بل ما بالك وهذه الدولة تعاني من الاضطرابات والقلاقل والانقسامات الطائفية والايديولوجية والجهوية والقبلية منذ ما قبل سقوط نظام طالبان المستبد في عام 2001.

نعم جرت الانتخابات الأفغانية مؤخراً وهي الثالثة منذ دخول النظام الطالباني إلى متاحف التاريخ. وكما جرت العادة، كان حدوثها على وقع أصوات الانفجارات ودوي المدافع ولعلعة الكلاشينكوف مصحوبة ببيانات رسمية حول اعتقال هذا القائد المتمرد أو ذاك الإرهابي الفار، أو القضاء على هذه المجموعة أو تلك من المجموعات المسلحة المطاردة من قبل القوات الحكومية.

ويكفينا هناك كدليل الإشارة إلى إعلان كابول، في وسط المعمعة الانتخابية، أنها نجحت في هزيمة الفرع الأفغاني من تنظيم داعش في ولاية «ننجرهار» شرقي البلاد (تنظيم داعش ــ ولاية خراسان) من خلال عملية عسكرية استهدفت تدمير أوكاره والقبض على رموزه، وأنها نجحت أيضا بنفس الوسيلة في قتل قاض طالباني وعدد من مقاتلي الوحدة الطالبانية الحمراء في إقليم فارياب ومنطقة اندخوي.

في الانتخابات الماضية سنة 2014، التي شهدت منافسة ضارية بين طبيب العيون الدكتورعبدالله عبدالله وخصمه أشرف غني للفوز بقيادة افغانستان، آثار الأول زوبعة لما علم بقرب فوز الثاني مشككاً في نزاهة عملية الاقتراع.

ولم تنته تلك الزوبعة إلا بتدخل الأمريكيين بإشراف شخصي مباشر من وزير خارجية الإدارة الأمريكية السابقة «جون كيري» الذي أقنع الطرفين بتقاسم السلطة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، فصار غني رئيساً للبلاد وعبدالله رئيساً لسلطتها التنفيذية أي رئيساً للحكومة (دون استخدام هذه الصفة)، لكن دون أن يذوب الجليد بينهما ويتعاونا معاً في إدارة البلاد بتجرد، حيث وقف عبدالله كالشوكة في حلق غني مانعاً الأخير من تنفيذ سياساته بحرية، بل سُجل عن عبدالله وصفه لغني بـ «المختل والديكتاتور».

وهاهو المشهد ذاته يعود مجدداً في الانتخابات الحالية التي يحاول فيها عبدالله مرة أخرى قيادة بلاده المنكوبة بويلات الحروب والتشظي من بعد هزيمتين أمام غني وسلف الأخير حامد كرزاي.

يسعى عبدالله، في حقيقة الأمر، إلى حماية مستقبله السياسي غير المضمون فعمد إلى إثارة موضوع النزاهة والشفافية واحتمالات تزوير أصوات المقترعين (وقد يكون محقاً في ذلك إلى أن يثبت العكس)، على الرغم من أن انتخابات هذا العام تـُجرى لأول مرة في تاريخ أفغانستان من خلال أجهزة بيومترية وفرتها الحكومة الألمانية بهدف منع الناخب الأفغاني من التصويت مرتين، علماً بأن عدد من يحق لهم التصويت هو 9.6 ملايين مقترع من أصل عدد سكان البلاد البالغ نحو 37 مليون نسمة.

أما الحجة التي يتمسك بها عبدالله فهي أن الصور المثبتة على بطاقات الاقتراع ليست لناخبين حقيقيين وإنما تم أخذها من بطاقات هوية مزورة.

ولهذا دعا إلى إيقاف عملية فرز الأصوات وتأجيل الإعلان عن النتائج التي كان من المقرر ظهورها في 19 من الشهر الجاري قائلاً إنه لن يقبل نتائج يشوبها التزوير ومضيفاً «إننا نحاول بهذا إنقاذ العملية الانتخابية من التزوير، والاستناد إلى نتائج نظيفة».

وبطبيعة الحال، ما كان لعبدالله أن يتخذ مثل هذا الموقف لولا شعوره بقرب هزيمته للمرة الثالثة، خصوصاً وأنه لا يملك دعماً أو نفوذاً كبيرين في الأوساط البشتونية المتحكمة تقليدياً في مصير أفغانستان بفضل غالبيتها العددية، ناهيك عن أمر آخر هو انفضاض الكثير من الشخصيات الأفغانية النافذة عنه من أمثال حاكم ولاية بلخ السابق «عطاء محمد نور» صاحب النفوذ في مناطق الشمال، وحاكم إقليم هرات السابق «إسماعيل خان»، والقيادي البارز في الجمعية الإسلامية وجبهة الشمال «محمد يونس»، ورئيس الاستخبارات السابق «أمر الله صالح» وغيرهم ممن فضلوا الالتحاق بمعسكر الرئيس أشرف غني لدواع مصلحية شخصية. كما خسر عبدالله دعم أسرة القائد أحمد شاه مسعود (أسد بانجير) الذي أغتيل بأيدي تنظيم القاعدة الإرهابي قبل يومين فقط من أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.

هذا على الرغم من نجاح الرجل في تشكيل تحالف شبه قوي في وجه غني بانضمام النائب الأول للرئيس الجنرال الأوزبكي عبدالرشيد دوستم إلي معسكره بالإضافة إلى وجوه أفغانية شيعية بارزة مثل زعيم حزب الوحدة «حاجي محمد محقق» ورئيس المجلس الأعلى للمصالحة الأفغانية «محمد كريم خليلي» ووزير الخارجية الأسبق «أنوار الحق» الذي اختلف مع غني فلم يجد أمامه سوى الانضمام إلى معسكر عبدالله نكاية بالأخير.

 

 

Email