ما بين محمد بن راشد والمأمون

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيرة هي المشاريع التي تتبناها دولة الإمارات العربية المتحدة وقادتها الحكماء، المخلصون لوطنهم الإمارات ولأوطانهم العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج. بل إن هذه المشاريع تعبر الحدود، لتصل إلى كل عربي يقيم خارج هذه الأوطان، لكن قلبه يهفو إلى وطنه، ولسانه ينطق لغته، وعقله ينشغل بقضاياه وهمومه.

وإذا كانت دولة الإمارات وقادتها، قد أقاموا وتبنوا من المشاريع داخل الوطن العربي وخارجه الكثير، فإن المشروع الأكبر الذي يتبناه اليوم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، هو بناء مستقبل الأمة العربية، من خلال تغذية عقول أبنائها بالعلم والمعرفة.

وليس ثمة وسيلة لتغذية هذه العقول أنجع من القراءة، فهي منبع العلوم والمعارف كلها. لذلك، لم يكن الاحتفال بتوزيع جوائز الدورة الرابعة من «تحدي القراءة العربي» الأسبوع الماضي عادياً، فقد طغت المشاعر فيه على المشهد.

وكانت اللحظة الباهرة، هي تلك التي احتضن فيها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الطالبة السودانية هديل أنور، بطلة الدورة الرابعة من تحدي القراءة العربي، مؤكداً سموه أن القراءة هي بداية الطريق لمستقبل أفضل قائم على العلم والمعرفة، وأن كل مشارك ومشاركة في التحدي، هو مشروع للمستقبل، يزرع الأمل لغد مشرق.

دموع الفرح التي طفرت من مقلتي الطالبة السودانية هديل أنور، تماهت مع الدموع التي كانت تغالبها الفنانة اللبنانية القديرة ماجدة الرومي، وهي تعبر عن اعتزازها بالمشاركة في هذه الاحتفالية الكبرى، بعد أن شدت بأغنيتها الرائعة «الأرض ستبقى عربية».

ماجدة الرومي، القادمة من منطقة تغلي بالحروب والثورات على الفساد والظلم، الذي يحيق بالبلاد والعباد، رأت في صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، اليد التي تعمر وترفع البناء، في الوقت الذي نرى فيه مئات الأيادي في العالم العربي، تسعى إلى التدمير والتخريب، كما قالت في كلمتها المعبرة.

باسم الثقافة والفنون الجميلة، وباسم الأمن والأمان، وباسم الأرض والهوية، وباسم الازدهار والرفاهية، شكرت الفنانة ماجدة الرومي، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وتمنت لسموه وشعب الإمارات دوام العز، قائلة: «أنتم الحاضر الذي يسبق المستقبل بمئة عام».

هذه المشاعر التي تدفقت غزيرة، أثناء وبعد الاحتفال بإعلان أبطال الدورة الرابعة من تحدي القراءة العربي، كانت خير تعبير عن نجاح هذا المشروع الإماراتي العربي الثقافي بامتياز، وتمكنه من تحقيق أهم هدف من أهدافه، وهو إحياء روح الأمل في نفوس العرب جميعاً، وأولهم الأطفال، مشاريع المستقبل الذي يعمل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد على رسم خطوطه، في ظل واقع عربي يعاني من تشظي دوله، وتفرق كلمته، وعصف الخلافات والنزاعات بمجتمعاته، التي بدأ بعضها يفوق من سباته، ويستعيد صحوته التي طال غيابها، وينتفض في وجه مستغليه، الذين نهبوا خيرات وطنه، وجعلوا أعداءه يسيطرون على مفاصل القرار فيه.

إن فوز شابة من السودان، الذي انتفض قبل شهور ضد نظام حكم أطبق على أنفاسه ثلاثين عاماً، يدل على أن الأنظمة الفاسدة والمستبدة، تستطيع أن تحكم قيودها حول رقاب الشعوب، لكنها لا تستطيع أن تحكمها حول عقولها.

ورغم القيود التي كان يفرضها نظام البشير على الشعب السوداني، فقد استطاعت فتاة صغيرة في عمر هديل، أن تخترق هذه القيود، وتنطلق إلى آفاق رحبة من المعرفة عبر بوابة الكتب، لتصل إلى أوبرا دبي، متخطية بذلك 13.5 مليون طالب وطالبة من 49 دولة عربية وأجنبية، شاركوا في دورة هذا العام من تحدي القراءة العربي، مثبتين أن «القراءة بداية الطريق لمستقبل أفضل، قائم على العلم والمعرفة»، وأن «الأمم التي تقرأ تمتلك زمام التقدم»، مثلما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بعد انتهاء الحفل.

في كتابه الشهير «تاريخ القراءة»، يقول الكاتب أرجنتيني المولد كندي الجنسية، آلبرتو مانغويل:

«بدأ الإقبال العربي على أرسطو بحلم. في القرن التاسع، رأى الخليفة العباسي المأمون، ابن الخليفة الأسطوري هارون الرشيد، في الحلم، رجلاً شاحب الوجه أزرق العينين، ذا جبهة عريضة وحاجبين متصلين، ومتربع في هيئة ملكية على عرش.

عرف الخليفة، بيقين الحالم، أن الأمر كان يتعلق بأرسطو. كانت نتيجة الحديث الغريب الذي دار بينهما، صدور الأوامر في أكاديمية بغداد، بتكريس أنفسهم فوراً لترجمة كتب الفيلسوف الإغريقي».

ما بين حلم الخليفة المأمون، وحلم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تشابه كبير. هناك في القرن التاسع، عمل الخليفة العباسي على تغذية العقول بالانفتاح على الحضارة الإغريقية، من خلال ترجمة كتب أرسطو. وهنا، في القرن الحادي والعشرين، يعمل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، على تغذية العقول بالانفتاح على كل الحضارات، من خلال الكتاب، للعبور إلى المستقبل.

بقي أن ينتهز أطفال العرب هذه الفرصة التاريخية، لأنه مثلما كان أمثال الخليفة المأمون في القرن التاسع قليلون، فإن أمثال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في القرن الحادي والعشرين، قليلون أيضاً.

 

 

Email