مسار إثيوبيا إلى الازدهار

ت + ت - الحجم الطبيعي

تُبنى البلدان على الشجاعة، وقد انتشرت صورة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي، وهو يواجه متمردين في الجيش بالتمارين الرياضية، وتردد صداها في جميع أنحاء العالم، كما تم الاعتراف بجهوده الأوسع في صنع السلام، من خلال إنهائه بكياسة صراعاً مريراً ومدمراً مع إريتريا، من قبل جائزة نوبل أخيراً. وعلى الصعيد الداخلي، قام بنزع فتيل الاحتجاجات التي هددت بتصعيد الأوضاع إلى عنف واسع النطاق. وفي المنطقة، ساعد في التوصل إلى تسوية في السودان. لكن هذا ليس سوى نصف ما فعله، فهو يطبق مهاراته الواضحة الآن في تحقيق هدف حيوي متمثل في تحويل إثيوبيا إلى مجتمع مزدهر.

تنطلق حكومة آبي الجديدة من إرث استراتيجية سليمة، وصلت برغم ذلك إلى حدودها. حافظت إثيوبيا على معدل استثمار مرتفع، يصل حالياً إلى 38% من إجمالي الناتج المحلي. وكان هذا في الغالب في مجال البنى التحتية للطاقة والاتصالات، وهي البنى التي من دونها لم يكن من الممكن أن تصل البلاد إلى مصاف الدول ذات الدخل المتوسط.

يمكّن برنامج الطاقة الكهرومائية المدن في إثيوبيا من الحصول على كهرباء وفيرة ومعقولة التكلفة، مع تصدير الفائض إلى جيرانها الذين يعانون من شح الطاقة، وقد حولت شركة طيرانها الوطنية الكفؤة بأسطولها الحديث المستأجر، البلاد إلى مركز للقارة بأكملها، وهي توفر أيضاً مساحة رخيصة حيث يمكن تطوير مجموعة من الصناعات الخفيفة. أما خطوط السكك الحديدية إلى الموانئ فإنها سوف تستحدث ممرات يتم بمحاذاتها بناء مدن جديدة، مما يؤمن عملاً مثمراً في بيئات ملائمة للعيش. فالتوسع الحضري أمر لا مفر منه في إفريقيا، حيث تتوقع الأمم المتحدة أن يتضاعف عدد سكان المدن إلى ثلاثة أضعاف بحلول عام 2050. ويبقى التحدي في تجنب الأحياء الفقيرة غير المنتجة التي هي لا مفر منها ما لم يستمر الاستثمار العام في التقدم بخطى أسرع من التحضر.

ومع الاقتراب من استكمال برنامج البنى التحتية، أطلق آبي مرحلة جديدة من التنمية: أجندة الإصلاح الاقتصادي المحلية. سوف يعتمد العائد على البنى التحتية كلياً على الاستخدامات التي تضعها الشركات لها. وفي حين يؤسس التخطيط المركزي البنية التحتية، يبقى غير قادر على الكشف عن الفرص الهائلة التي تنفتح تدريجياً مع تجمع شركات الأعمال ذات الاعتمادية المتبادلة، فيما يعتمد تحول البلاد على إشعال هذه العملية. وقد جند آبي فريقاً لإدارة الاقتصاد، بعض أعضائه بخبرة عالية من العائدين من الشتات الذين يعون هذا التحول العميق في الأسلوب ويمكنهم تفسيره للسكان. وبشكل حاسم، كما يوحي اسم الأجندة المحلية، فإنها مصممة من قبل الحكومة من دون ضغوط خارجية.

تشتمل الخطة على التركيز على الأعمال (وتمكين المشاريع في العمل بمزيد من السهولة) مع أجندة اقتصاد كلي لإصلاح السوق في مجال الصرف الأجنبي والتمويل. وكانت إصلاحات السوق في الأولى قد انطلقت مع تحرير طال انتظاره لسوق الاتصالات، مما رفع الأمل بإحداث قفزات في التواصل والاقتصاد الرقمي. أما الإصلاحات في الثانية فهي قيد التنفيذ. وتعد إصلاحات الصرف الأجنبي واضحة ومباشرة، لكن إثيوبيا في هذا كانت متأخرة عن الركب في إفريقيا. يمكنها الآن محاكاة الآخرين، وقد بدأت إثيوبيا في «اتخاذ الخطوات الأولى نحو تحرير قطاعها المالي بمنح تراخيص إلى الشركات الأجنبية، في جهد لفتح القطاع الذي تملكه الدولة للاستثمارات الأجنبية»، لكن الأمر سوف يستغرق فترة أطول لأن الإقراض الموجه كان طريقة حيوية لتمويل الاستثمارات العامة المرتفعة. وسوف تحتاج الضرائب الإثيوبية أن ترتفع من أجل تمكين التحرير المالي.

لقد وصلت إثيوبيا إلى لحظة محورية. لم يكن ممكناً تمويل جهود بنيتها التحتية الضخمة بالكامل سواء من خلال المدخرات المحلية أو المساعدات. وهي تملك بنيتها التحتية بفضل الاقتراض والقروض التجارية من الصين. وكان هذا الأمر مكلفاً بشكل غير ضروري ووصل الآن إلى حدوده قبل اكتمال برنامج البنية التحتية. استخدام التمويل العام الدولي لإنهاء هذه البنى التحتية شبه المكتملة تقريباً يفي بمعايير «الإنفاق العام الجيد». وبإمكان صندوق النقد الدولي أن يحيي قروض «برامج التكيف الهيكلي المحسنة» المنقضية، ويمكن للبنك الدولي أن يموّل عن طريق قرض من البنك الدولي للإنشاء والتعمير. مزيج من البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمساعدات هو أمر مسموح، لكن إثيوبيا تعتبر غير مؤهلة. لكن إذا عدنا إلى عام 1947، كان أول قرض من البنك الدولي للإنشاء والتعمير إلى فرنسا، عندما واجهت البلاد تحدياً مماثلاً لما تواجهه إثيوبيا الآن. ويحتاج البنك الدولي للإنشاء والتعمير لإعادة اكتشاف الغرض الأصلي منه.

اليوم، ينطوي الدعم إلى إثيوبيا على خطر مماثل كما في عام 1947، لكن احتمال اتجاه الصعود كبير، ليس فقط بالنسبة إلى إثيوبيا لكن أيضاً بالنسبة إلى المنطقة. من الناحية الجيوسياسية، فإن وجود إثيوبيا قوية سيشكل نقطة ثبات لجيران مضطربين. لكن إصلاحات آبي هي أيضاً موضع جذب في جميع أنحاء القارة. وهذا النجاح قد يشعل التغيير الاقتصادي بمحاكاة يعادل تأثير كوريا الجنوبية في آسيا بالسبعينيات.

وفي مواجهة مثل تلك الإمكانيات، فإن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عرضة لأخطاء ثلاثة. إفراطهما في التفاؤل في استجابة لوزير مالية مصلح رمزياً، خسارة الدعم المحلي بالإصرار على برامجهما الخاصة، وتغليب المراوغة على السير في العملية، لكن أياً من هذا سيكون مبرراً آخذاً في الاعتبار سجل آبي.

* أستاذ الاقتصاد بجامعة أكسفورد

Email