مصر والإمارات وتقوية المناعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

دس السم في العسل موهبة يصقلها التدريب وتقوي شوكتها المصالح، فتتحول إلى مَلكَة والمَلكَات في عالمنا المعاصر لا حدود لها. عالم رقمي قادر على تحويل الأقزام إلى ماردين، لكن لحين. وقدرات مادية وتشابكات مصالح تصنع من (الفسيخ شربات) وتجعل من (البوصة عروسة)، لكن ما طار طير دون أجنحة قوية وارتفع، إلا وكما طار تهاوى على أرض الواقع.

وأرض الواقع تقول إن مصر والإمارات عنصران لا تستوي الأمور الإقليمية دون كليهما. علاقتهما تكاملية، ورؤاهما مستقبلية، ورغم اختلاف مكونات كل منهما من حيث الظروف ومواطن القوة، إلا أن التحديات واحدة والإرادة متطابقة. كما أن رؤية كل منهما للآخر وتقييمهما لعلاقاتهما الثنائية الشعبية قبل السياسية لا تعني إلا أن في هذه المنطقة تحالفات تاريخية وقوى إقليمية ورؤى عقلانية ما يعتد به وما يستدعي الأمل ويستوجب التفاؤل.

وفي ظل ظروف دولية تستدعي الكثير من القلق على مصير العالم المشتعل إما تحت وطأة الصراعات أو بسبب تناحرات السياسة واحتكاكات الاقتصاد أو بدافع التنافس على احتكار السيطرة والانفراد بالهيمنة، نجد متنفسًا مطمئنًا في تحالف وثيق الأواصر عميق الجذور كتحالف مصر والإمارات.

وإذا كانت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للإمارات، والاحتفاء غير المصطنع بالرجل وشعبه وتاريخ العلاقات بينهما تشعل نيران التربص وتؤجج رياضة دس السم في العسل، فإن الخبرات التي اكتسبتها المنطقة على مدار السنوات التسع الماضية تجعل من قراءة المشهد عملية ممتعة بعد ما كانت حتى وقت قريب مثيرة للقلق ومستدعية للحذر.

ويبقى الحذر سيد المشهد، لكنه حذر من النوع المرتكز على المعرفة والقدرة على وضع اللاعبين كلٍ في الحيز المناسب في الوقت المناسب. منصات عديدة في الإعلام بأشكاله وألوانه باتت معروفة التوجهات متوقعة التصرفات. فما إن يلمح البعض في الأفق تدعيمًا لأواصر صلة من شأنها أن تحمي وتقوي دولاً كمصر والإمارات والسعودية، أو تعيد الحياة لدول مثل سوريا وليبيا، أو حتى تعيد إلى منطقة الشرق الأوسط قدرًا من الاستقرار لتمضي قدمًا بدلاً من بقائها حبيسة الصراعات والاقتتالات والأفكار المتطرفة حتى تُستنفر الأقلام وتُستدعى الخبرات لإغراق الجميع في السم المدسوس في العسل.

سموم الإرهاب التي مازالت الدول العربية تتجرع مرارتها، سواء لإصابات مباشرة أو لهزات ارتدادية طالتها، لم تعد تقتصر على جماعات مجرمة وأفكار متطرفة وثقافة مفتتة للتسامح والتعايش، بل أصبحت تستخدم للتراشق وتشتيت الانتباه بعيدًا عن مصدري الإرهاب الأصليين.

قبل أيام قليلة، قال نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي إن «نفاق» بعض الدول للإرهاب يشبه الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على قطر. ووصف هذا الحصار بـ«الجائر». ورغم أن سياق الحديث لم يكن يتطرق من قريب أو بعيد للعلاقات الخليجية أو الملف القطري، لكنه كان يلعب لعبة بث السموم ودسها. فهو يبرئ بلاده ويدافع عن عمليتها العسكرية في شمال شرق سوريا، وهي العملية التي تهدف إلى قلب موازين اللعبة في المنطقة. ويكفي أن تركيا أعلنت في خضم الغضب العالمي (ظاهريًا على الأقل) بسبب عدوانها على الأراضي السورية إنها لن تنسحب، بل تعتزم توسيع مساحة ما أسمته بـ«المنطقة الآمنة» إذا استدعي الأمر. وعاودت تركيا اللعب بورقة الإرهاب والإرهابيين، فهددت بأنها سترد بأشد الطرق على الهجمات التي قد تأتي من خارج المنطقة الآمنة، وإنها تحتفظ «بحقها» في تنفيذ عمليتها العسكرية إذا تبيّن لها عدم إبعاد الإرهابيين إلى خارج عمق 30 كيلومترًا. وبالطبع تجاهلت تركيا تعريف الإرهاب ولم تتطرق إلى هوية الإرهابيين.

من جهة أخرى، فإن قطر لم تألو جهدًا في تجميل الاعتداء التركي على الأراضي السورية. وفي أكثر من مرة، أشارت إلى أن التدخل التركي في سوريا ليس عيبًا، وأنه ممارسة لحقوقها المشروعة، بل وصفته بأنه «خطوة لدعم الاستقرار في المنطقة».

وإذا كان التدخل التركي في سوريا والاعتداء على أراضيها حقًا مشروعًا وخطوة لدعم الاستقرار، فإن علاقات مصر والإمارات الراسخة، وإجراءات تعضيدها سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا يعتبرها البعض تحركات تنذر بالخطر وتستوجب الحذر. هذا البعض لا يكيل بمكيالين، لكنه يكيل بثلاثة وأربعة وأحياناً خمسة. المنصة الاستثمارية التي أطلقتها الإمارات ومصر قبل أيام أثناء زيارة الرئيس السيسي نزلت كالصاعقة على رؤوس البعض، وهو ما دفعهم فيما بعد إلى العودة إلى دس السموم في عسل الإعلام الموضوعي الحيادي. لكن الميزة الكبرى هي أن الملايين في المنطقة صار لديها مناعة كاملة شاملة تجاه ما يتم حشوه في العديد من منصات الإعلام التي تدعي الحرفية رغم إنها غارقة في محاولات بث السموم.

المؤكد أن العلاقات المبنية على أصول وقيم تختلف عن تلك القائمة على مصالح قد تكون موجودة اليوم وقد تنقلب رأساً على عقب اليوم.

* كاتبة صحفية

Email