دروس من الأرض

ت + ت - الحجم الطبيعي

باستعادة الباقورة والغمر، تكون المملكة الأردنية الهاشمية سطّرت فصلاً جديداً من العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، عنوانه أن «الحقوق لن تضيع ووراءها مطالب»، إذ ظنّت إسرائيل أنها عندما وقّعت اتفاقية «وادي عربة» مع الأردن عام 1994، والتي تم بموجبها تأجير الباقورة والغمر لإسرائيل لخمسة وعشرين عاماً، ستتجدد هذه الأعوام مرة تلو أخرى، إلى أن ينسى الأردنيون أرضهم أو يتنازلوا عنها لصالح المحتل، لكن حسابات إسرائيل أثبتت خطأها، وعادت هذه الأراضي إلى حضن البلد الأم، وتحت السيادة الأردنية الخالصة، وبات ممنوعاً على الإسرائيليين دخولها.

باب آخر ظنّت إسرائيل أنه سيكون مفتوحاً أمامها على مصراعيه إثر توقيع «اتفاق السلام»، ألا وهو التطبيع، لكن الوقائع أثبتت أيضاً أنه وبعد مرور 25 عاماً على «وادي عربة»، ما زالت إسرائيل كياناً منبوذاً في المنطقة، حيث يرفض الأردنيون، كما الشعوب العربية، أي علاقات مع كيان غاصب شرّد أشقاءهم الفلسطينيين في أصقاع الأرض، واستولى على أرضهم عبر المجازر والقتل والتدمير والعربدة، كما يرفضون أي علاقات اقتصادية أو تجارية مع إسرائيل مهما كانت استفادتهم منها.

وكما في الشارع، تسير العلاقات في شقّها الرسمي، إذ ترفض عمّان أي مساس بالفلسطينيين وحقوقهم، وتؤكد في كل محفل دولي أهمية نيل الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على كامل الأراضي التي تحتلّها إسرائيل منذ العام 1967، وعاصمتها القدس الشريف.

وللوصاية الأردنية على الحرم القدسي الشريف أهمية خاصة، إذ حَمَلَت المملكة إسرائيل وعتاة تطرّفها، في أكثر من مناسبة، على وقف عربدتهم وانتهاكاتهم في المسجد الأقصى المبارك، والتي تتم دون أدنى مراعاة لقدسية هذا المكان.

ولنا في قضية الإفراج عن الأسيرين هبة اللبدي وعبدالرحمن مرعي درس مستفاد آخر، وهو أن إسرائيل، هذا الكيان الغاصب، لا يفهم إلا لغة القوة، حيث إن المملكة وقفت موقفاً صلباً، بممارسة أقصى الضغوط السياسية والتلويح بما لا تحمد عقباه، في مواجهة التعنّت الإسرائيلي في قضية مرعي وهبة، التي شارفت على الموت إثر إضرابها عن الطعام، والذي استمر لأكثر من 40 يوماً، حتى نالت حريتها وفكّت إضرابها. كما أن عبدالرحمن مرعي كان في ظروف صحية سيئة إثر إصابته بالسرطان، لذا اتخذت عمّان موقفاً حاداً مع الاحتلال واستدعت سفير المملكة من «تل أبيب»، كما استدعت السفير الإسرائيلي احتجاجاً، خاصة أن الأسيرين لم توجّه لهما تهمة، وكانا يواجهان الاعتقال الإداري، لذا سطّرت الدبلوماسية الأردنية والموقف الرسمي نجاحاً كبيراً حمل إسرائيل على الرضوخ.

وعليه، فإن من يعتقد أن إسرائيل دولة أسطورية لا تهزم عسكرياً أو سياسياً عليه أن يراجع حساباته، وأن يستفيد من دروس استعادة الباقورة والغمر والأسيرين اللبدي ومرعي، لممارسة الضغوط واللعب بالأوراق المتاحة للوصول إلى الأهداف ونيل الحقوق.

Email