الاحتجاج ضد طهران

ت + ت - الحجم الطبيعي

إلى وقت ليس ببعيد، كان الحرس الثوري الإيراني يتبجح باحتلال أربع عواصم عربية، وفي غضون الشهر الأخير، بدا أن حلم الملالي بالهلال الشيعي ينهار تباعاً، فانطلقت احتجاجات العراق ضد إيران في المرتبة الأولى، ثم تحركت الاحتجاجات في لبنان، واضعة حزب الله في قفص الاتهام، ثم توقيع اتفاق الرياض، بين الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يهدف إلى اقتلاع الميليشيا الحوثية الإرهابية المدعومة من إيران.

بالطبع، في لبنان والعراق، تسبب الفساد والفقر في تحرك الشارعين نحو التغيير، ولكن أسباب ذلك الفساد ليست مجهولة، فالتبعية لنظام الملالي وخطة الحرس الثوري لإنهاك العراق ولبنان وسوريا واليمن، كانت السبب الأول في تفشي الآفات الاجتماعية والإنسانية المرعبة، حيث بلغت التبعية حدوداً لا يمكن السكوت عليها، وقد سمعنا مؤخراً بعض الخطابات الشعبوية، من قيادات، في العراق ولبنان، تطلق الوعود بمحاربة الفساد، مقابل عدم تدخل الشعب بالشؤون الخارجية، كحديث حسن نصر الله الذي هدد فيه بأن كل من يتطرق للوجود الإيراني، سيتم «سحله» من قبل ميليشيا حزب الله، في رسالة للشعوب تقول: «إيران، خط أحمر»

بالطبع، فإن شعارات مثل «إيران بره بره»، «كلن يعني كلن.. نصر الله واحد منن» أربكت القيادات الإيرانية، فتلك الشعارات تُشير إلى أهمية مكافحة فيروس إيران الموسوم بالفساد والفقر، المتوغل في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية. وقد أجمع المراقبون، أن إيران لم تتوقع يوماً غضب الشارعين العراقي واللبناني، فكان لدعمها الحشد الشعبي في العراق وحزب الله في لبنان وأنصار الله في اليمن وحماس في فلسطين، وغيرها من الميليشيا، الإسناد الأول، الذي اتكأ عليه نظام الملالي مطمئناً، ولكن متى كانت حسابات طهران، عبر التاريخ، صحيحة؟

المفاجأة الصادمة كانت أن السواد الأعظم من المحتجين هم من المكون الشيعي المحسوب طائفياً على إيران، لكن الفساد الكبير، المرتبط بطهران، لم يأبه بالشعوب وعقيدتها وفكرها وولائها، وكان همّه الأول هو وضع لبنان والعراق واليمن في حضن الملالي فقط، بأي ثمن، فجاءت النتيجة على عكس ما يخططون ويتوقعون.

بعد الهزائم التي منيت بها إيران إقليمياً، التي أدت إلى تلك الاحتجاجات الشعبية التي تُطالب بطردها، وبعد فشل الحوار مع أمريكا، عدة مرات، لجأت طهران إلى الديمقراطيين، لممارسة ضغوط على الرئيس الأمريكي، في محاولة للتوصل إلى حلول غير مباشرة، مفادها رفع العقوبات الأمريكية عن إيران حتى ولو بنسبة جزئية، وكذلك اتجهت إلى السعودية بمبادرة السلام والحوار، لكن السعودية اشترطت الوقف الفعلي للتهديدات والأعمال العدائية قبل أي حوار، وأن على طهران، أن تغير سياساتها تجاه جيرانها، المبني على تصدير الثورات وخلق الجيوب والطوابير الطائفية في الدول، امتداداً لتوسعة وعودة الإمبراطورية الفارسية..!

الاحتجاجات في العراق ولبنان عفوية، وتقول لإيران كلمة تاريخية، أما في سوريا، فالوضع مختلف، وقد آن للنظام هناك، أن يجد الطريقة والآلية لقطع علاقته مع طهران كلياً ويعود للحاضنة العربية، التي فتحت له أبوابها، ولا شك، أن وقع توقيع اتفاق الرياض، بين الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يستهدف أول الأمر، توحيد الصفوف لإنهاء الانقلاب الحوثي المدعوم من إيران، سيكون المسمار الأخير، الذي يدق في نعش الملالي المتهالك، الآيل للسقوط.

اتفاق الرياض، بقيادة السعودية ودعم الإمارات، بعث برسالة قوية أربكت الكثيرين، ومنهم غرف الاستخبارات الإيرانية، فبعد تشكيل حكومة كفاءات يمنية جديدة، مناصفة بين الشرعية والمجلس الانتقالي، وإعادة هيكلة الجيش، وتخليصه من الإخوان، سوف يعود أبطال الجنوب العربي، الذين تم اختبارهم سابقاً، إلى خطوط المواجهة الأمامية، بل وقد يبلغون قلب صنعاء في بضعة شهور.

* كاتبة وإعلامية

Email