مقال

مصر بوابة الدب الروسي لأفريقيا

ت + ت - الحجم الطبيعي

ظلت العلاقات الأفريقية ـ السوفييتية قوية ومتوهجة طوال وجود الاتحاد السوفييتي، وبعد انهياره في 26 ديسمبر عام 1991 اختلف الوضع كثيراً بعد أن دخلت روسيا الوريث الشرعي للاتحاد السوفييتي في حالة كمون داخلي طوال فترة حكم بوريس يلتسين، إلى أن ظهر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تولى قيادة روسيا منذ عام 2000، ليستعيد الدب الروسي قوته وبريقه مرة أخرى، محاولاً استعادة مناطق نفوذه في العالم ومن بينها القارة الأفريقية.

ولأن القارة الأفريقية هي قارة «بكر» فقد أصبحت من أهم مناطق الجذب في العالم، ولعل تكالب أقطاب العالم على طرق أبوابها والدخول معها في «مشاركات» مختلفة يؤكد نقاط القوة التي تتمتع بها، وتجعلها مصدر جذب لكل القوى الرئيسية في العالم.

قبل القمة الروسية ـ الأفريقية الأخيرة في مدينة «سوتشي» الروسية، كانت هناك قمم عدة جمعت أفريقيا مع أمريكا، وفرنسا، وألمانيا، والاتحاد الأوروبي، وأخيراً مع اليابان «التيكاد 7» التي عقدت في شهر أغسطس الماضي.

أعتقد أن هذه القمم كانت دافعاً قوياً لروسيا لعقد القمة الروسية ـ الأفريقية الأولى في محاولة منها لاستعادة نفوذها ودورها في القارة السمراء، خاصة أن هناك «حنيناً» من أبناء القارة تجاه روسيا لمواقفها الداعمة للدول الأفريقية لفترة طويلة من تاريخها.

ولأن مصر هي رئيس الاتحاد الأفريقي فقد طرح الرئيس عبد الفتاح السيسي رؤية القارة الأفريقية لدعم الشراكة الروسية ـ الأفريقية خلال المرحلة المقبلة من خلال مسارات عدة، أهمها:

الأول: تعزيز التعاون بين الدول الأفريقية وروسيا بما يسهم في دفع مسيرة التنمية الأفريقية وفقاً لرؤية أجندة الاتحاد الأفريقي التنموية 2063.

الثاني: الاستفادة من التجربة الروسية الناجحة التي تعكس إرادة صلبة وقدرة على العمل والإنجاز بما يؤدي إلى تعزيز قدرات وإمكانات الدول الأفريقية وأولوياتها ومشروعاتها.

الثالث: دعوة جميع مؤسسات القطاع الخاص، والشركات الروسية، والعالمية، ومؤسسات التمويل الدولية، للتعاون والاستثمار في أفريقيا بما يحقق لشعوب القارة أحلامها باللحاق بركب التقدم والتحديث والتنمية المستدامة.

كل الخبراء أكدوا أن دخول اتفاقيات مناطق التجارة الحرة مع القارة الأفريقية حيز التنفيذ يجعل القارة الأفريقية، المارد الاقتصادي المقبل، لأنها جعلت من دول الاتحاد الأفريقي أكبر منطقة تجارة حرة على مستوى العالم بما تحتويه من 1.2 مليار نسمة، من المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم إلى 2.5 مليار نسمة بحلول 2050.

إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية سوف يؤدي إلى زيادة حجم التجارة البينية الأفريقية من 17% إلى 60% بحلول 2022 بعد أن قامت 54 دولة أفريقية من أصل 58 دولة هي مجموع دول القارة بالتوقيع علي الاتفاقية، هو إنجاز ضخم يشير إلى زيادة الوعي الأفريقي العام بأهمية هذه الاتفاقية التي تؤدي إلى إلغاء القيود المفروضة على حرية التجارة بين الدول الموقعة عليها، والإلغاء التدريجي للحواجز الجمركية وغير الجمركية، والتي تعترض حركة التجارة في السلع والخدمات، وذلك في إطار الخطوات اللازمة لإنشاء الاتحاد الجمركي الأفريقي، وتطبيق التعرفة الجمركية الموحدة.

أفريقيا بعد اتفاقية التجارة الحرة القارية ليست كما قبلها، بعد أن أصبحت هناك لغة موحدة للقارة الأفريقية تستطيع أن تتعامل بها مع كل الشركاء الأجانب، غير أن الأمر ما زال يحتاج إلى الكثير من الجهد والوقت لتذليل العقبات التي تعترض خطوات التنفيذ قبل أن يصل الاتحاد الأفريقي إلى ما وصل إليه الاتحاد الأوروبي من قبل في مجالات حرية الحركة والتنقل، والتأشيرة الموحدة، والتعرفة الجمركية الموحدة، وغيرها من الخطوات المصاحبة لتوقيع هذه الاتفاقية الحيوية والاستراتيجية.

على الجانب الآخر فإن روسيا تريد أن تستعيد مكانتها القديمة في القارة، وهو ما دعا الرئيس فلاديمير بوتين إلى المطالبة بضرورة مضاعفة حجم التجارة الروسية ـ الأفريقية خلال المرحلة المقبلة، وأخذ زمام المبادرة وقام بإسقاط نحو 20 مليار دولار من إجمالي حجم الديون الأفريقية، وتوفير معاملة تجارية تفضيلية للدول الأفريقية، بالإضافة إلى تنفيذ برنامج مشترك مع عدد من الدول الأفريقية يركز على استخدام الأموال المقترضة لتمويل المشروعات التي تستهدف تعزيز النمو الاقتصادي على المستوى الوطني.

لقد وصل حجم الاستثمارات الروسية في القارة الأفريقية خلال العام الماضي إلى ما يقرب من 20 مليار دولار في قطاعات مختلفة أبرزها قطاعات التعدين والطاقة والسكك الحديدية وغيرها من المشروعات، غير أن التعاون المصري ـ الروسي يعد هو النموذج الذي يحتذى به للتعامل الروسي مع دول القارة، حيث تضاعف التبادل التجاري بين البلدين خلال الخمسة أعوام الأخيرة ليصل إلى 7.7 مليارات دولار، كما أن هناك العديد من المشروعات الكبرى المشتركة بين البلدين، وفي مقدمتها المنطقة الصناعية الروسية في قناة السويس، والمشروع النووي العملاق في الضبعة بالإضافة إلى مشروعات عدة في مجالي البنية التحتية والنقل.

أعتقد أن عودة الدب الروسي بقوة على الساحة الدولية الآن، والعلاقات الحميمة القديمة بين روسيا وأفريقيا ستكون دافعاً قوياً لتحقيق آمال القمة الروسية ـ الأفريقية الأولى والانطلاق بها نحو آفاق أوسع خلال الفترة المقبلة.

Email