أفول نجم «الكاريزما»

ت + ت - الحجم الطبيعي

التوجه الحديث في علم القيادة، يشير إلى أن الكاريزما لوحدها لم تعد كافية لصنع التأثير الحقيقي للقائد. فقد تكون لديك «جاذبية شخصية»، أو قوة تأثير وحضور لافتين (كاريزما)، لكنك لا تقوى على التأثير في محيطك.

إذ اكتشف العلماء أن القياديين ليسوا من وهبوا صفات خاصة فحسب، بل هناك عاملان مهمان يصنعان التأثير، وهما «من يعمل معك من مرؤوسين»، وما «المهمة» التي كلفت بها، أو بالأحرى «الحالة» التي سوف تواجهك.

والدراسات الحديثة تشير إلى أن هذا المثلث، إذا لم تكتمل أضلاعه (الكاريزما، والأتباع، والحالة التي تعترضه)، فإن تأثير المرء قد يكون محدوداً.

ولذا، تجد أن الإدارة العليا تتعمد إفشال أحد القياديين، لاعتبارات شخصية، وذلك عبر تعيين عناصر سيئة معه، أو تكليفه بمواجهة موقف يصعب عليه التعامل معه، لكي يشير إليه الناس لاحقاً بأصابع الاتهام والتقصير، فيعزل أو يعاقب.

بعبارة أخرى، يمكن أن يتحلى المرء بكاريزما أخاذة، لكنه يصعب أن ينجز مع فريق العمل لا يشاطره الحد الأدنى من القبول أو المودة أو الرغبة في التعاون. وكذلك الحال مع من يتمتع بكاريزما، وبفريق عمل رائع، لكنه لا يصلح للتعامل مع حالة معينة situation.

إذن، يتم اختيار القائد بناء على قدراته، ومن معه من أتباع، والأهم الحالة أو المهمة التي اختير من أجلها. مثل القصة الشهيرة لسعد بن أبي وقاص، الذي اختير، وهو في ريعان شبابه، لقيادة جيش المسلمين، وكان من بينهم كبار الصحابة المبشرين بالجنة. كانت القضية مرتبطة بمهمة محددة، نجح فيها. وهي ما نسميها في علم القيادة بالحالة situation، التي اختير لها القائد.

وهذا يعني أنك يمكن أن تجلس في لجنة تمتد مهمة عملها لشهور عدة أو سنوات، يقودها من هو أصغر منك، أو أفضل في هذه المهمة.

وقد رأيت ذات يوم، رئيس مجلس إدارة كان عضواً في لجنة يقودها شخص مؤهل، صغير في السن. ذلك أن العناصر المشاركة والحالة أو المهمة، هي جزء أساسي، وليس فقط مهارات الكاريزما.

فنظرية «الرجل العظيم»، الذي يمتلك مواهب عديدة، هي كافية لصنع قائد، لم تعد مجدية.

فصار بمقدور كبريات الجامعات، مثل هارفارد وMIT وإنسياد في أوروبا، ومراكز التدريب العالمية، تطوير القيادات عبر برامج تدريبية. وهي ورش عمل أعدها شخصياً لمؤسسات مرموقة في المنطقة رأينا تأثيرها.

إذن، القيادة لم تعد صفات موروثة أو جاذبية شخصية، كما كان يعتقد قبل الحرب العالمية الأولى حتى الأربعينيات. إذ دحضت دراسات عديدة، تلك المفاهيم، وكذلك تجارب الناس.

والمتأمل لسير كبار الرؤساء التنفيذيين في أكبر 500 شركة مدرجة في سوق وول ستريت، يلاحظ أنهم ليسوا بالضرورة ممن يتمتعون بكاريزما أخاذة.

غير أنهم لديهم مساعدون ومرؤوسون جيدون، ويحسنون التعامل مع ما تم تكليفهم له (الحالة).

ومن يشاهد الرؤساء التنفيذيين وهم يتحدثون على مسرح تدشين الهواتف الجديدة، يلحظ محدودية أو انعدام «الكاريزما» في شخصياتهم.

وهذا يشير إلى أفول نجم الكاريزما لوحدها كعنصر تأثير، وذلك لأن «الكاريزما القيادية»، لا يمكن أن تؤخذ بمعزل عن «من يعمل معه»، وما طبيعة «الحالة» التي تواجه المسؤولين.

Email