هكذا تكون نهاية «داعش» فعلاً

ت + ت - الحجم الطبيعي

مقتل زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي بعد غارة الوحدات الخاصة الأمريكية على مقره في محافظة ادلب السورية لن يُغيّر كثيراً من واقع هذه الجماعة الإرهابية وسيكون الأمر شبيهاً بما حصل مع «القاعدة» بعد مقتل زعيمها أسامة بن لادن أو ما حصل أيضاً مع حركة «طالبان» التي أغتيل قائدها ولم يتوقف نشاطها العسكري بعد ذلك.

فمثل هذه الجماعات تهيئ نفسها مسبقاً لمثل هذه الأمور وتضع بدائل فورية لمن تخسره من قياداتها، خاصةً أنّ جماعات «داعش» تتبع لامركزية واسعة في عملها وهي أشبه بفكرة تبناها العديد من التنظيمات الإرهابية في أمكنة مختلفة من العالم دون أن يكون هناك أي رابطٍ تنظيمي مع القيادة التي أسّست «داعش» أصلاً.

فتنظيم «داعش» وأخواته مستمرون في التواجد الآن رغم القضاء على «التنظيم» الذي أقيم في العام 2014 على أراض واسعة من العراق وسوريا.

وهناك عدة آلاف من عناصر «داعش» مازالوا ينشطون أو قيد السجن في دولٍ مختلفة رغم مقتل عشرات الألوف من هذه الجماعة، وهناك «جبهة النُصرة» شقيقة «داعش» التي مازالت فاعلة في محافظة إدلب السورية!.

لقد كان إعلان وجود «داعش» في العراق وسوريا مقدّمة عملية لإنشاء دويلات دينية جديدة في المنطقة، كما حصل من تقسيم للبلاد العربية بعد اتفاقية سايكس- بيكو في مطلع القرن الماضي، وممّا يدفع هذه الدويلات، في حال قيامها، إلى الصراع مع بعضها البعض، وإلى الاستنجاد بالخارج لنصرة دويلة على أخرى.

تساؤلاتٌ عديدة ما زالت بلا إجاباتٍ واضحة تتعلّق بنشأة جماعة «داعش» وبمَن أوجدها ودعمها فعلاً، ولصالح أي جهة أو لخدمة أي هدف!.

ومن هذه التساؤلات مثلاً: لِمَ كانت التسمية الأصلية «داعش»، بما يعنيه ذلك من امتداد لدول سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، وهي الدول المعروفة تاريخياً باسم «بلاد الشام»؟!.

أليس ملفتاً للانتباه أنّ العراق ودول «بلاد الشام» هي التي تقوم على تنوّع طائفي ومذهبي وإثني أكثر من أيِّ بقعةٍ عربية أو إسلامية أخرى في العالم؟! ثمّ أليست هذه الدول هي المجاورة لـ «دولة إسرائيل» التي سعت حكومة نتنياهو جاهدةً لاعتراف فلسطيني وعربي ودولي بها كـ «دولة يهودية»؟! ثمّ أيضاً، أليست هناك مصلحة إسرائيلية كبيرة بتفتيت منطقة المشرق العربي أولاً إلى دويلاتٍ طائفية وإثنية بحيث تكون إسرائيل «الدولة الدينية اليهودية» هي الأقوى والسائدة على كل ماعداها بالمنطقة؟!.

أليس كافياً لمن يتشكّكون بالخلفية الإسرائيلية لهذه الجماعات الإرهابية، التي ظهرت بأسماء عربية وإسلامية، أن يراجعوا ما نُشر في السنوات الأخيرة عن حجم عملاء إسرائيل من العرب والمسلمين الذين تمّ كشفهم في أكثر من مكان؟! وهي فعلت ذلك أيضاً مع قوى معارضة في سوريا؟!.

ثمّ أليس سؤالاً مهماً كيف أنّ «داعش» مارست الإرهاب والقتل على مسلمين ومسيحيين، في مشرق العالم ومغربه، على العرب وغير العرب، بينما لم تحدث عمليات «داعشية» نوعية في إسرائيل أو ضد إسرائيليين؟!.

فمن المهمّ التوقّف عند ما حدث ويحدث في المنطقة العربية وخارجها من أعمال عنف مسلّح تحت مظلّة دينية وشعاراتٍ إسلامية، وما هو يتحقّق من مصلحة إسرائيلية كانت أولاً، في مطلع عقد التسعينات، بإثارة موضوع «الخطر الإسلامي» القادم من الشرق كعدوٍّ جديدٍ للغرب بعد اندثار الحقبة الشيوعية، ثمّ فيما نجده الآن من انقسامٍ حادٍّ في عدد من المجتمعات العربية وصراعاتٍ أهلية.

ولم تكن صدفةً سياسية أن يتزامن تصنيف العرب والمسلمين بالإرهابيين، طبقاً للتعبئة الإسرائيلية التي جرت في التسعينات، مع خروج أبواق التعبئة الطائفية والمذهبية والعرقية في عدد من البلاد العربية والإسلامية.

جرى خداع شعوبٍ عديدة في مراحل زمنية مختلفة من خلال تبرير حروب كثيرة جرت على مدار التاريخ، حيث ابتدع لها أسماء وصفات لا تُعبّر عن حقيقة أهداف هذه الحروب. ألم تتحكم «الدولة العثمانية» بأراض شاسعة من البلاد العربية تحت حجة وتسمية «الخلافة الإسلامية؟!.

وألم تفعل ذلك أيضاً الحركة الصهيونية باستغلال الدين اليهودي واسم إسرائيل لتبرير مشروعها الإستيطاني على أرض فلسطين؟!.

ولعلّ أخطر التوصيفات للحروب والصراعات يحدث حينما يحصل استغلال أسماء دينية ومذهبية لوصف حروب ونزاعات هي بواقعها وأهدافها سياسية محض، وهذا ما يجري عادةً في الحروب الأهلية التي تُسخّر فيها كل الأسلحة بما فيها سلاح الطائفية السياسية.

وهل يمكن اعتبار الصراعات والحروب التي حصلت بين الهند وباكستان بأنّها بين المسلمين والهندوس وتستوجب الصراعات بين الطرفين حيثما يتواجدان في العالم! وهل يصحّ توصيف الحرب التي جرت بين الإنجليز والأيرلنديين الشماليين بأنّها حرب بين الكاثوليك والبروتستانت تفرض الصراع بين الطائفتين في كلّ أنحاء العالم المسيحي!!.

طبعاً ما كان غائباً في بعض هذه الصراعات هو وجود »الطرف الثالث«، الذي يكون له مصلحة كبيرة في تصعيد وتوسيع دائرة الصراعات وتأجيج المشاعر الانقسامية بشأنها، وهو الموجود للأسف حالياً في كلّ الصراعات والحروب المحلّية الجارية في المنطقة العربية.

وهذا »الطرف الثالث« الحاضر في الأزمات العربية هو مجموعة من الجهات الإقليمية والدولية التي قد تتباين مصالحها، لكنّها تتّفق على هدف توظيف الأزمات العربية لصالح أجنداتها الخاصة.

إنّ »داعش« الآن، ومعها وقبلها »القاعدة«، استطاعتا استقطاب قطاعاتٍ من شباب العرب والمسلمين بسبب غياب فعالية الفكر الديني السليم، الذي يُحرّم أصلاً ما تقوم به هذه الجماعات من أساليب قتلٍ بشعة، ومن جرائم إنسانية بحقّ الأبرياء من كلّ الطوائف والمذاهب والجنسيات، بل كل من يختلف معها، حتى من داخل الوطن أو الدين نفسه.

فلو لم يكن هناك فراغٌ فكري للمفهوم الصحيح للدين وللمواطنة، لما أمكن في السابق استقطاب هذا الحجم من أتباع هذه الجماعات.

Email