إمارات الإنسانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

الإنسانية صفة أولئك الذين يتمتعون بحسّ عالٍ بالمسؤولية والمحبة تجاه إخوانهم البشر، بعيداً عن أي اعتبار تصنيفي، يجعلهم ينظرون إلى الآخر على أنه كيان مختلف، لأنه ينتمي إلى لون آخر أو عرق أو جنس أو دين آخر..

الإنسانية أعظم من أن تُعرَّف أو تُشرح لتوضيح معانيها، لكنها ببساطة تُلمَس في كلّ موقف أو واقعة تعبّر عنها.

هذا ما لمسناه من شرطة دبي حين تصرفت بحسّ عالٍ بالإنسانية، بعد شكوى لإحدى السيدات عبر برنامج إذاعي، قالت فيها إنّ روضة طفلتها المصابة بمرض السكري ليس فيها ممرضة مؤهلة للتعامل مع هذا المرض، مبينة بذلك مشكلة لربما كانت غائبة عن أذهاننا، وهي ضرورة أن تضمّ المدارس ورياض الأطفال عناصر طبية مؤهلة للتعامل مع حالات الأمراض المزمنة والاحتياجات الخاصة، وليس الحالات اليومية المعتادة فحسب.

هذا الأمر دفع شرطة دبي للتصرف بسرعة والتنسيق مع وزارة الصحة، حيث قامت الوزارة مشكورةً بتخصيص ممرضة لمرافقة الطفلة وإعطائها حقنة الأنسولين وتقديم الرعاية الطبية لها.

بالتأكيد هذا التصرّف الإنساني ترك أثراً إيجابياً بالغاً لدى الأم ولدى المجتمع ككل بعد أن عُرفَت القصة وتقدّمت الأم بشكر شرطة دبي ووزارة الصحة معبرة عن سعادتها الكبيرة بما قُدّم لها من مساعدة إنسانية جاءت كخطوة إنقاذية بالنسبة لها ولطفلتها.

ليس مستغرباً أن نرى شرطة دبي أو أي جهة حكومية أخرى تتصرف بهذا الشكل وتُقدِم على مثل هذه الخطوة، لأنّ قدوة العاملين في هذه الجهات هو القائد الإنساني الذي وضع نصب عينيه سعادة شعبه من مواطنين ومقيمين، صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله» الذي غرّد منذ أيام عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر قائلاً:

«علمتني الحياة أن الوطن ليس الحجارة والإسمنت، الوطن هو أبي وأمي وجدي وجدتي.. هو أخي وأختي وابني وابنتي. الوطن هم البشر، هم أهلي.. هم شعبي.. من أراد أن يخدم الوطن فليخدم الشعب.. من يقول إنه يحب الوطن فليحبهم ويحب الخير لهم ويضحي من أجلهم.. لأنهم هم الوطن وما سواهم فمجرد تراب فوقه تراب».

بكلمات قليلة مختصرة لخّص سموه المعاني الأسمى للإنسانية حين ربط الوطن بالناس، واعتبر خدمة الشعب هي الخدمة الحقيقية للوطن، وليس هذا بجديد على قائد يسعى لأن يكون شعبه هو الشعب الأكثر سعادة في العالم.

وليس بجديد أيضاً ما تقدّمه إمارات الإنسانية من مبادرات وخطوات إنسانية ليس لمواطنيها والمقيمين على أرضها المعطاء فحسب، وإنما على امتداد الرقعة الجغرافية للعالم، في كلّ مكان يضمّ إنساناً محتاجاً أو ضعيفاً أو مكلوماً، بغض النظر عن لونه أو عرقه أو دينه، وبغض النظر عن التوجه السياسي لدولته، فالإنسانية لا تعترف بحدود الدول، إلا في إطار معاهدات واتفاقيات التعاون التي تخدم هذه الإنسانية.

لسنوات عديدة تربعت دولة الإمارات العربية المتحدة على عرش الجهة الأكبر المانحة للمساعدات الخارجية في العالم قياساً إلى دخلها القومي، فقد عمدت منذ تأسيسها إلى اتخاذ العمل الإنساني منهجاً وسلوكاً، حاملة إرث المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس الاتحاد، الذي وضع دولة الإمارات منذ تأسيسها على طريق الخير وتقديم المساعدات الإنسانية للمحتاجين أينما وجدوا.

هذا المنهج الرائد وسّع دائرة العمل الإنساني في الدولة وطوّره ليتحوّل إلى عمل مؤسساتي، بلغ معه عدد الجهات والهيئات الرسمية والأهلية المسؤولة عن النهوض بالعمل الإنساني 43 جهة.

ونهجت الإمارات في مساعداتها نمطاً تنموياً مستداماً لا يقوم على تقديم المساعدات المالية فحسب، وإنما يتبنى المشاريع التنموية ذات الأثر الدائم والتي تخدم الشعوب المحتاجة، من العالم العربي إلى أفريقيا وآسيا وغيرها من بقاع الأرض، فعمدت الجهات الإماراتية المانحة إلى حفر الآبار وبناء المدارس والمساكن وتنفيذ المشاريع الخدمية، بالإضافة إلى التحرك السريع باتجاه مناطق الأزمات الإنسانية والتفاعل المباشر مع مختلف المشكلات من كوارث طبيعية إلى تهجير ولجوء وفقر ومجاعات، حتى قارب عدد الدول المستفيدة من المشاريع والبرامج والمبادرات الإماراتية الإنسانية منذ عام 1971 حتى اليوم 180 دولة على امتداد العالم.

لسنا في صدد إيراد أرقام المبالغ المالية التي رصدتها الإمارات للمحتاجين في مختلف بقاع الأرض، لأنّ هذه الإحصاءات لم تكن يوماً هدف قيادتنا ومجتمعنا، وإنما كان الدافع وسيبقى دائماً هو الدافع الإنساني، الذي يعدّ المحرّك الأول لنا في نهجنا الخيّر وعملنا الإنساني.

ففي نهاية الأمر، سواء أكان المحتاجُ طفلةً مصابةً بداء السكري في إحدى روضات دبي، أو طفلاً أفريقياً محروماً من مياه الشرب، أو عجوزاً هندياً يعاني من الفقر والعوز، أو عائلة عربية شرّدتها الحرب، يبقى الدافع الإنساني هو الأساس في كلّ عطاء أو عمل خير تقدّمه إمارات الإنسانية، وسنبقى نحمل راية العمل الإنساني متجاوزين كل الحدود لكي نرسم الابتسامة على وجه كلّ أخ لنا في الإنسانية.

Email