مصر في القمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تصادف وجودي في باريس أثناء انعقاد القمة الإفريقية الروسية برئاسة الرئيسين عبد الفتاح السيسي وفلاديمير بوتين، والتي مثل فيها الرئيس المصري القارة الإفريقية بأكملها، موضحاً مجالات التعاون بينها وبين روسيا..

وأول ما استرعى الانتباه هو أن هذه قمة تعاون وبناء، وليس هدماً وحروباً تستنفد ثروات الشعوب دون أمل، وقد تصدرت مصر بشخص رئيسها عناوين النشرات في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والمسموعة، رغم التهاب الساحة العربية بالأحداث الساخنة، لا سيما العدوان التركي الإجرامي ضد سوريا وجنون العظمة، وأحلام اليقظة التي تسيطر على الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، الذي يعيش وهم الإمبراطورية العثمانية الغابرة بإعادة احتلال وطننا العربي تحت الشعار الزائف «الخلافة العثمانية» وهو اسم التدليل لأبشع احتلال ذاقته بلادنا، وكذلك أولت وسائل الإعلام اهتماماً كبيراً بالتطورات الجارية في لبنان الشقيق، والذي ربما يتخلص بأكبر قدر ممكن من آفة الطائفية، التي خلفت أضراراً، بل وكوارث، بالشعب العربي حيث ينفذ مخططها حلم الأعداء وعلى رأسهم إسرائيل،

وقد نقلت وسائل الإعلام تصريحات للعديد من اللبنانيين الذين أعربوا عن تطلعهم إلى لبنان الوطن وليس الطوائف والانضواء تحت رايته الواحدة.. والغريب أن العديد من المسؤولين والمثقفين لا يرون خطورة إحياء وتأجيج الصراعات الطائفية استناداً إلى أحداث جرت منذ قرون عدة ويستحيل أن يكون إحياؤها لصالح أية طائفة والتي يعم خرابها دون تفرقة بين طائفة وأخرى بكل أسف، ورغم زخم تلك الأحداث الجسام، فقد كانت القمة الإفريقية الروسية، وخاصة تصريحات الرئيس السيسي، محل اهتمام وتحليلات متعددة، خاصة ما يتعلق منها بسد النهضة، وتداعياته المزعجة، كما كانت القمة منبراً سلطت عليه الأضواء، وبالتالي، نقل المسألة من نطاقها الثنائي إلى العالم بأسره، وكان الرئيس السيسي مقنعاً، بصدقه وأسلوبه المهذب، بصدد حق المصريين في الحياة ورفض تحقيق مصالح دولة على حساب حياة عشرات الملايين من دولة شقيقة، يعرف القاصي والداني بتعاقب الأجيال، دورها التاريخي في مساعدة دول القارة السمراء على التحرر من كافة أشكال الاستعمار.

من جهة أخرى، برز الدور المصري الساعي إلى تحقيق التعاون الجاد، في إطار احترام أماني شعوب إفريقيا وسيادة دولها، وهو ما أكدته قمة سوتشي، وقاد إلى مقارنة فرضت نفسها، بين اشتعال الوضع في سوريا ووحشية العدوان التركي والدمار الذي أشاعه فيها، وذلك وفق مخططات وبأسلحة باتت معروفة المصدر، وبين دولة لها تاريخ محترم مع العرب الذين يصعب نسيانهم لمساندة روسيا لهم في معارك عديدة فرضها الأعداء عليهم.. تحدث الرئيس بوتين عن آفاق التعاون ومشروعية أحلام القارة الواعدة بالنهوض ونفض غبار التخلف الذي فرضه عليها المحتلون بنهب ثرواتها وإبقاء شعوبها في حالة من الفقر، الذي وصل أحياناً إلي حد الموت جوعاً، رغم ما تزخر به من ثروات.. ويرى الكثير من المراقبين أن قمة سوتشي تسطر صفحة جديدة، نظيفة، في سجل العلاقات الدولية،

وسوف يظل الدور المصري ماثلاً في الأذهان، وقد كان الرئيس السيسي، رئيساً للاتحاد الإفريقي ومتحدثاً باسم دول القارة ومدافعاً عن مصالحها، بحرارة شديدة، جديرة بمكانة مصر وريادتها في الدفاع عن مصالح الأشقاء الأفارقة، وهو ما شهده، وشهد به الرؤساء الأفارقة الذين شاركوا في القمة، ويصب في النهاية في مصلحة التعاون المثمر البناء بين قارة مستقبلها أمامها، كما عبر عنه أصدق تعبير رئيس مصر واستجاب له الرئيس الروسي.. وسوف ينطبع ذلك، بالطبع، في قلوب وعقول شعوب القارة السمراء.

Email