الإمارات والولايات المتحدة الأفريقية

ت + ت - الحجم الطبيعي

يسود بعض أجزاء أفريقيا اليوم، مناخ راستافاري، والمقصود به هو توجه ديني متأثر باليهودية والمسيحية، نشأ في القرن العشرين، وبالتحديد في جامايكا، ولسنا بصدد مناقشة هذا التوجه كمفهوم ديني، ولكننا بصدد مناقشته كتوجه ثقافي، ضم قديماً شخصيات أفريقية، مثل امبراطور إثيوبيا الراحل هيلاسيلاسي، وعاد اليوم قوياً في أوساط النخب الأفريقية، التي ينظر إليها على أنها القائدة القادمة لمُستقبل أفريقيا.

تركز الراستافارية على العودة لأفريقيا، وعلى الشتات الأفريقي، وهذا سر انضمام الأفارقة الغربيين إليها، حتى بات ينظر لها كتوجه ثقافي عالمي، أكثر منه توجه ديني، فانضم للراستافارية شخصيات أفريقية مسلمة، ويكفي أن تتحدث عن تيكن فاكولي في جلسات الغناء والشعر الأفريقي، حتى يقتنع الأفارقة بك كشخصية لها حق الحديث والمناقشة.

يقوم هذا التوجه على مبدأ يقول «على الأفارقة أن يقوموا بجهد موحد لتشكيل مؤسسات تجمع بين السلطة والثروة»، وهذا ما نادى به ماكوس غارفي، الذي وضع أساس ما يسمى بالولايات المتحدة الأفريقية، ويبدو أن حلم ماكوس بات قاب قوسين أو أدني من التحقيق.

يتباين سير المصالح الإماراتية في عموم القارة الأفريقية، إذ تبدو تلك المصالح أكثر تنوعاً في الشرق الأفريقي، ويرجع السبب في ذلك إلى ارتباط تلك الدول بدولة الإمارات ودول الخليج العربي منذ القدم، فالقرب الجغرافي، جعل تلك الدول تتطلع إلى منطقة الخليج العربي، كواجهة أولى يتوجه لها أبناؤها، بيقين يسبقهم بأنهم منها، وإن اختلفت السحنة، في مقابل نظرة خليجية تحمل رؤية مستقبلية لمن أدركت أنهم امتداد لأمنها القومي، ولكن كيف ترى النخب الأفريقية سير تلك العلاقات؟.

وللإجابة عن ذلك، لا بد من توضيح نقطة مهمة، هي أن النخب الأفريقية تتجاذبها تيارات سياسية متعددة، فعلى سبيل المثال، نجد عموم النخب في الغرب الأفريقي، إما أن تحتفظ بخط وسط مع القيادات السياسية، مع ممارسة عملها السياسي الأقرب لمناهضة النظام، من التوافق معه، وإما أن تكون تلك النخب لصيقة بالقيادات السياسية، وهنا لا ينظر لها المواطن الأفريقي كنخب قادرة على التأثير في القرار السياسي، أما في الشرق الأفريقي، فنجد أن النخب السياسية تسهم بشكل فعال في القرار السياسي للدولة، وتستطيع إلى حد ما، انتزاع صياغة قانون لذلك، غالباً ما تنجح في ثني القيادات السياسية على المضي قدماً في ملفات معينة، أما النخب في الغرب الأفريقي، فرغم شعبيتها في صفوف المواطنين، إلا أن مشكلتها تكمن في ضعف الأدوات، وهذا يضعف قدرتها على التأثير الفعلي في صناعة القرار السياسي.

تختلف وجهة نظر النخب الأفريقية لسير العلاقات الإماراتية الأفريقية ومستقبلها، فهناك جزء يرى أن التوجه الإماراتي للقارة الأفريقية، هو فرصة لأفريقيا، أكثر مما هو للإمارات، فالقضاء على البطالة وإنعاش الاقتصاد وفتح باب الاستثمارات، هو ما تطمح إليه أي دولة أفريقية تريد النهوض، وبالتالي، تعمل تلك النخب على السعي لمضاعفة المصالح الإماراتية في دولهم، ومن جهة أخرى، هناك نخب ترى أن العلاقات الإماراتية الأفريقية، يجب أن تحدد في إطار معين، فلا إفراط ولا تفريط، وترفع شعار إبقاء الباب مفتوحاً للجميع، والاستفادة من جميع الأطراف، وعدم تقريب طرف على حساب الآخر.

أثناء انتهائي من الفصول الأخيرة من مؤلفي الذي حمل عنوان «العلاقات الخليجية الأفريقية رؤية مستقبلية»، خرجت بنتيجة مفادها أن التحديات التي تواجه دولة الإمارات في أفريقيا، ليست مختلفة كثيراً عن التحديات التي تواجهها قريناتها الخليجيات، ومن أبرزها تلك المتعلقة بالأمن والاستقرار في دول القارة.

فالحقيقة التي شهدتها ميدانياً، أن المواطن الأفريقي لا يتفاجأ من تكاثر التنظيمات الإرهابية، فتعدد تلك التنظيمات في أفريقيا، يعود للظروف السياسية والاقتصادية، وتكاثر تلك التنظيمات، جعلها تلجأ لحيلة لم يمر وقت طويل لكشفها، لأنها لم تكن بعيدة عن التصور الدولي، تلك الحيلة تقوم على قيام تنظيم ما بطرح نفسه، بأنه لا ينتمي لأي فصيل، ولكنه في الواقع، إما أن يكون ذراعاً جديدة لجسم تنظيمي قديم، ما زال يلعب دوراً في الإخلال بالأمن وضرب المصالح، أو أنه خريج جديد لأجهزة المخابرات، التي تحرص على إبقائه بنصف قوة، خاصة في تلك المناطق التي تشهد صراعات مُتلاحقة، لتحريكه في الوقت المناسب.

أرى أن مستقبل العلاقات الإماراتية الأفريقية، يسير بشكل متقدم، وخلال السنوات الخمس القادمة، أتوقع أن تشكل الشراكة الإماراتية الأفريقية، نقطة فارقة في التاريخ الحديث، وكل ما تحتاجه تلك العلاقات للمضي قدماً، هو تكرار قراءة الأحداث من جميع الزوايا، والتمكن من المعرفة الدقيقة لخط اللاعبين الدوليين وأذرعتهم، والوصول إلى حقيقة الميدان الأفريقي، تلك الحقيقة التي لا يمكن أن تظهر من تحليل هنا أو توصيف هناك، بل يجب الوصول إليها بعقول إماراتية، تحمل رؤية مستقبلية لحماية المصالح الإماراتية في أفريقيا المستقبل.

Email