عهد جديد بلا طائفية

ت + ت - الحجم الطبيعي

صدقت إيران حين رفضت التعليق على التحركات الشعبية في لبنان واصفة إياها بالشأن الداخلي، فذراعها الأمني في الداخل اللبناني «حزب الله» يقوم لها بما تريد.

عطل الحزب لنحو سنتين اختيار رئيس الجمهورية، حتى تحالف مع «ميشيل عون» الذي أتى به رئيساً للجمهورية و بممثلي التيار الوطني الحر شركاء في حكومة الوحدة الوطنية التي اشرف على تشكيلها، قبل نحو ثلاثة أعوام وأطلق عليها حكومة «العهد القوي» التي ينتفض الآن االلبنانيون في كل المناطق ضد بقائها في السلطة، والمطالبة برحيل كل رموزها، وتشكيل حكومة انتقالية وكفاءات فنية للإنقاذ الوطني، لإعادة بناء الدولة في لبنان على أساس غير طائفي، يضمن عصريتها وحداثتها وعلمانيتها وديمقراطيتها، بما يفضي إلى القضاء على سطوة الطوائف والجهات والعائلات، ووضع ما نص عليه اتفاق الطائف في 5 نوفمبر 1989 من إلغاء الطائفية وبسط سيادة الدولة اللبنانية على كامل الأراضي، وحل جميع الميليشيات المسلحة، وتعزيز قوى الأمن الداخلي والقوات المسلحة، موضع التنفيذ.

صاغ حزب الله قانوناً انتخابياً على مقاسه، ليتسنى له إحكام السيطرة على الطائفة الشيعية والاستيلاء مع حلفائه في حركة أمل وتيار رئيس الجمهورية على الغالبية في مجلس النواب.

وفضلا تملك الثلث المعطل، ليملي به على الدولة والرؤساء الثلاثة الجمهورية والحكومة ومجلس النواب ما يريد، أو بالأحرى ما تريده إيران.

وفي هذا السياق أجبر لبنان أن يكون طرفاً في الصراع الإقليمي وأبعده عن محيطه العربي، حفاظاً على المصالح الإيرانية الراغبة في التوسع والهيمنة وإشعال الحرائق!

لم تبرح الذاكرة العربية بعد، حالة التيه التي دفعت وزير المخابرات الإيرانية إلى القول، إن أعلام إيران ترفرف فوق عواصم أربع دول عربية.

وكما هو معلوم، فتلك الدول هي سوريا والعراق واليمن ولبنان، فضلا عن مساندتها لحركة حماس في قطاع غزة، ودعمها للانقلاب الذي قادته على السلطة الوطنية الفلسطينية، ومساندتها لمواصلة الانقسام الفلسطيني، وهي في معظمها، باتت تصنف في عداد الدول الفاشلة.

جرها النزوع الإيراني للتوسع والتدخل في شؤونها، إلى حروب أهلية، ما إن تهدأ، حتى تعود لمواصلة الهدم والهدر والقتال، لتصل ديون بلد صغير مثل لبنان، إلى نحو 126 مليار دولار، بفعل الفساد المالي والإداري والسياسي، وهجرة نحو 14 مليون لبناني خارجه بحثاً عن لقمة العيش والتعلم والعمل، وتناقص الوارد من مدخراتهم للداخل اللبناني غير المستقر، بالإضافة إلى تراجع السياحة العربية، وتوقف التنمية ومشاريع الاستثمار وارتفاع نسبة من هم تحت خط الفقر من مواطنيه إلى 45% ورزوح 50% من أبنائه في بؤس البطالة!

لم تكن مفاجأة لهجة التهديد العنيفة التي أنطوى عليها خطاب (حسن نصر الله ) تعليقاً على انتفاضة الشعب اللبناني.

فقد وصف من يطالبون فيها بإسقاط النظام بأنهم يضيعون وقتهم، ولا يستطيعون إسقاط العهد، وهدد من يتهرب من المسؤولية، بالمحاكمة، ولوح بإمكانية إنزال أنصاره إلى الشارع، وحذر من الانهيار المالي والاقتصادي، دون أن يذكر بطبيعة الحال، أن جانباً لا يستهان به من ذلك الانهيار بات أمراً واقعاً، كإحدى النتائج التي ترتبت على وضع حزب الله وقيادته وعدد من المحسوبين عليه على لائحة العقوبات الأمريكية والغربية، وللعقوبات الدولية المفروضة على إيران، التي اضطرت معها إلى خفض الإنفاق المالي على حزب الله، مما دفع الحزب لتعويض خسارته تلك من الخزينة العامة للدولة اللبنانية عبر وزرائه ونوابه وسلاحه المتهم بحماية التهريب والمهربين !

لكن الخطاب، برغم جموحه وعنفه، بدا خطاباً دفاعياً، يعكس قلقاً من خسران وضع الحزب المهيمن على القرار السياسي اللبناني. وربما يعود ذلك إلى أن الحزب وقيادته، فوجئوا بقاعدتهم الطائفية في وسط المظاهرات الشعبية، وفي قلب المناطق التي تعد تحت سيطرة حزب الله وحركة أمل، تهتف بأقسى العبارات الغاضبة والجارحة، ضد قيادات الحزب والحركة، وترفع عنهما الطابع المقدس، التي طالما أضفته على أدوارها، احتماء به.

وكان تعليق هؤلاء على الخطاب، هو رفع الشعار المنتشر في الانتفاضة منذ بدأت تطالب برحيل الطبقة السياسية الحاكمة: كلهم يعني كلهم وانت أولهم يا نصر الله.

وكما كان متوقعاً، تصدى الجيش اللبناني الوطني لمحاولات حزب الله وحركة أمل، عند الاعتداء على المتظاهرين، وأعلن حمايته لهم، وتعاطفه مع مطالبهم، التي لن يثنيهم عنها، إجراءات جزئية، لم يعودوا يثقون فيمن يطرحها أو يعد بتنفيذها.

تبلورت مطالب اللبنانيين في هدف محدد: إسقاط نظام المحاصصة الطائفية الذي رسخ ظواهر نهب موارد البلاد وإفقار أهلها، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني انتقالية من كفاءات تكنوقراطية، تعمل على إجراء انتخابات تشريعية طبقاً لقانون انتخابي ديمقراطي، وتسليم سلاح ميليشيا حزب الله إلى الجيش اللبناني، ليصبح هو الجهة الوحيدة المكلفة بحماية أمن البلاد، امتثالاً للشعار اللماح والفطن الذي رفعه المتظاهرون اللبنانيون ويقول: إن أجمل الفصول هو فصل الدين عن الدولة.

Email