تحليل

عزل بايدن

ت + ت - الحجم الطبيعي

هناك مثل أمريكي شهير يقول «غير المتوقع يأتي غالباً»، فعندما بدأ الديمقراطيون في مجلس النواب إجراءات تهدف في نهاية المطاف لعزل الرئيس دونالد ترامب، لم يتوقعوا أن تستهدفهم «النيران الصديقة»، فرغم الجدل حول تجاوز الرئيس دونالد ترامب للدستور الأمريكي خلال الاتصال مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي إلا أن استطلاعات الرأي الأخيرة أشارت إلى رغبة الشعب الأمريكي معرفة حقيقة ما قام به نائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، وهل ضغط واستغل نفوذه كنائب للرئيس لصالح ابنه هانتر في أوكرانيا والصين لتولي مناصب والحصول على مكاسب وظيفية في البلدين؟ والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هل تطيح هذه القضية بحظوظ بايدن في الترشح للانتخابات الرئاسية؟ خصوصاً في ظل تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي وتفوق ديمقراطيين آخرين مثل بيرني ساندرز واليزابيث آن وارن عليه، وهل سيؤدي كل ذلك إلى قيام الحزب الديمقراطي بإبعاد بايدن عن السباق الرئاسي للحفاظ على حظوظه في انتخابات 2020؟

حرق الأصابع

فقد جو بايدن خلال الأسابيع الماضية جزءاً من شعبيته، وخسر الهامش الكبير الذي كان يتمتع به ضد منافسيه في الحزب الديمقراطي، وتشير القصص الإخبارية التي نشرتها الصحافة الأمريكية على مدار الأسابيع الماضية إلى أن بايدن تأثر سلباً بقضية الاتصال التليفوني بين الرئيسين الأمريكي والأوكراني أكثر بكثير من الرئيس ترامب نفسه، وأن النيران ستطول أصابع الديمقراطيين وتؤثر على خططهم الانتخابية ربما أكثر من الحزب الجمهوري، وأن كثرة حديث الديمقراطيين عن مكالمة ترامب، ورد الأخير بالتركيز على فساد عائلة بايدن رغم عدم وجود دليل قاطع دفع وسائل الإعلام الأمريكية لإعادة الحديث عن قضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية عام 2016، لكن من زاوية تشكل ضرراً بالغاً بالحزب الديمقراطي وجو بايدن، لأن ترامب خرج سالماً من تقرير مولر بشأن تواطؤ حملته الانتخابية مع روسيا، لكن الحديث بدأ من جديد عن تواطؤ الحزب الديمقراطي مع المرشحة السابقة هيلاري كلينتون ضد السيناتور بيرني ساندرز، وهو الأمر الذي اعترفت به مؤسسة الحزب الديمقراطي الرسمية، وكل ذلك يجعل من دعم الحزب الديمقراطي لجو بايدن غير موجود لأن بايدن لم يحصل رسمياً على تأييد الحزب بعد.

صعوبة عزل ترامب

لا يعطي الدستور الأمريكي مجلس النواب طلب أي تعاون من البيت الأبيض قبل أن يحدد المجلس موقفه من مساءلة الرئيس ترامب، حيث يحتاج المجلس لتوجيه اتهام للرئيس ترامب موافقة 226 نائباً في مجلس النواب، وقيادة الحزب الديمقراطي متأكدة فقط من تصويت 200 عضو فقط لتوجيه اتهام للرئيس ترامب رغم أن الحزب الديمقراطي لديه 235 عضواً بالمجلس وفق «ميثاق فبلادليفيا» عام 1787 الذي اقترحه بنجامين فرانكلين لعزل الرؤساء «المكروهين» أو الذين يتم محاكمتهم بالخيانة أو الرشوة أو الجرائم الكبرى، وبالتالي يتشكك الكثيرون في قدرة الديمقراطيين على عزل الرئيس ترامب الذي يهيمن أنصاره من الحزب الجمهوري على مجلس الشيوخ، ويحتاج الديمقراطيون تصويت 67 عضواً وهو ما يعني حاجتهم لتمرد 20 جمهورياً على الرئيس ترامب مع افتراض تصويت كل الديمقراطيين في مجلس الشيوخ لعزل ترامب وهو أمر مستحيل في الوضع الراهن.

الدولار أولاً

المعروف أن اهتمام الناخب الأمريكي بالقضايا الخارجية ومنها ما يتعلق بقضية الاتصال برئيس أوكرانيا ضعيف للغاية، ولا يهتم الناخب الأمريكي إلا بالقضايا الدولية التي تؤثر بشكل مباشر على حياته اليومية مثل أسعار الطاقة، ونجح الرئيس ترامب خلال السنوات الثلاث الأولى من حكمه من تحسين الأوضاع الاقتصادية، وبات الاقتصاد الأمريكي والجيش الأمريكي أفضل بكثير مما كان عليه الوضع في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وتراجعت معدلات طلب إعانة البطالة لأقل معدل منذ 49 عاماً، كما أن مبيعات التجزئة والنمو الصناعي في أحسن حالاته بعد أن عادت الروح مرة ثانية لما يسمى «بولايات الصدأ» وهي الولايات ذات الإنتاج الصناعي والتي أغلق الكثير منها أبوابه في عهد أوباما نتيجة الانفتاح على التجارة الحرة واتفاقية التجارة عبر المحيط الهادئ التي ألغاها ترامب في اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض، كل هذه الأمور

جعلت من ترامب الأفضل في عيون 57% من الأمريكيين للبقاء في البيت الأبيض حتى 2024.

* كاتب ومحلل سياسي

Email