جائزة نوبل بين الجدل والإلهام

ت + ت - الحجم الطبيعي

جائزة نوبل العالمية أثارت عبر تاريخها الكثير من الجدل ووجهت لاختياراتها الكثير من الانتقادات. والعام الحالي ليس استثناءً من تلك القاعدة.

ففي مجال الأدب العالمي تم منح الجائزة لاثنين من الأدباء، البولندية، أولجا توكاركسوز، والنمساوي، بيتز هاندكي.

أما توكاركسوز، فرواياتها المغرقة في المحلية، مثل نجيب محفوظ، هي التي رفعت أدبها نحو العالمية. وهي أديبة، (سبعة وخمسون عاماً) عرفت في بلادها بانتقاداتها العلنية لتيار اليمين الشعبوي، داخل وخارج بلادها، ودفاعها عن الأقليات.

ولطالما تعرضت توكاركسوز لانتقادات شرسة في بلادها وتهديدات مستمرة بالقتل بسبب تلك المواقف السياسية التي تكشف عن نفسها بوضوح في رواياتها.

وقد أثنى المعنيون بالأدب العالمي على ذلك الاختيار الذي اعتبروه موفقاً. أما الفائز الثاني بجائزة الأدب فكان الأديب النمساوي، بيتر هاندكي، والذي أثار فوزه بالجائزة عاصفة من الانتقادات الحادة في أوروبا وخارجها.

والسبب الرئيسي لتلك الانتقادات، التي أدانت الاختيار، هو أن الأديب النمساوي كان من أكثر الأدباء دفاعاً عن الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش وقت كان يخوض معركة دولية قانونية بعد اتهامه بارتكاب جرائم حرب، بسبب ممارساته في حرب البلقان، وممن روجوا لمعاداة الأقليات خصوصاً المسلمين في تلك المرحلة الصعبة من تاريخ أوروبا. ليس ذلك فقط، وإنما كان هاندكي ممن أنكروا أصلاً وقوع جرائم القتل الجماعي سواء في البوسنة أم في كوسوفو.

ولم تقتصر الإدانات على المعنيين بالأدب العالمي، وإنما امتدت لتشمل الرسميين في دول مختلفة. فعلى سبيل المثال، أدان سفير كوسوفو لدى الولايات المتحدة اختيار الجائزة لهاندكي مصرحاً بأن الرجل من أهم «المروجين للكراهية الإثنية».

أما نوبل في الكيمياء، فذهبت لثلاثة علماء، كان منهم العالم الياباني أكيرا يوشينو.

ورغم أنني لست من المتخصصين في الكيمياء، فقد تابعت بشغف التصريحات الملهمة التي أدلى بها العالم الياباني، الذي يبلع من العمر 71 عاماً.

ففور تلقيه الجائزة عقد يوشينو مؤتمراً صحافياً كانت تجلس فيه لجواره زوجته ورفيقة عمره التي شاركته مشوار حياته لما يربو على نصف قرن.

وكانت تصريحات أكيرا يوشينو طوال المؤتمر الصحافي، التي لخص فيها عصارة خبراته الخاصة والعامة طوال مشوار الحياة، ملهمة وكاشفة عن شخصية تمثل قدوة للشباب، ومعبرة عن نموذج للتفاعل مع رفيقة كفاحه، ومجسدة لطبيعة الضغوط التي يتعرض لها العاملون في مجال البحث العلمي.

فأول دروس أكيرا يوشينو للصغار أتى مما رواه عن طفولته، حيث بدأ شغفه بالكيمياء وهو في الصف الرابع في المدرسة الابتدائية عبر درس عن «التاريخ الكيميائي للشموع»، والذي دفعه للقراءة في ذلك المجال.

أما الأجيال الشابة فقد وجه لها الرجل دعوة لأن «تبحث بجرأة» في المجالات التي تظل مجهولة في العلوم، قائلاً «لا تزال هناك مجالات لم تكتشف بعد، وأدعو الأجيال الشابة لتحدي المجهول بأبحاث تمهد طرقاً جديدة في مجال البحث العلمي، دون اتباع مسارات من سبقوهم».

وقال، في المؤتمر الصحافي الذي عقده في طوكيو، إن إنجازاته العلمية لم تحدث بين ليلة وضحاها وإنما نتجت عن الصعوبات التي واجهها.

ثم قال، موجهاً حديثه لشباب العلماء، «إن أي بحث علمي يشبه سباقاً ماراثونياً يتضمن تحدي العوائق المتعددة في طريقك، والتي عليك أن تتخطاها لاستكمال مسيرتك في السباق، ونقلك خطوة جديدة نحو هدفك».

وأضاف يوشينو أنه ما كان ليحقق إنجازاً علمياً يذكر لو أنه ظل حبيس خبرته في مجال واحد هو الكيمياء.

فالرجل، انعطف في سني دراسته بالجامعة لدراسة الآثار، التي هي شغف زوجته، وقال إن قراءاته في ذلك المجال فتحت له آفاقاً أوسع وأسهمت في إنجازاته في الكيمياء لاحقاً.

أما زوجته، التي ظلت لجانبه طوال «الماراثون» العلمي، فقال لها «لابد أنه كان عبئاً ثقيلاً شاركتني فيه طوال سنوات البحث التي خضتها. والآن أريدك أن تشاركيني السعادة بعد التحديات الثقيلة التي خضناها معاً».

ثم تحدثت زوجته، فقد قالت ضاحكة إنه لم يعر بالاً أبداً لتحذيراتها المستمرة بأن التدخين سيعرضه للمرض، قائلاً لها في كل مرة إن «الضغط النفسي المستمر»، الذي لا يفارقه بسبب طبيعة عمله، سيعرضه للمرض في كل الأحوال.

وهو تعبير بليغ، لخص فيه، في عبارة قصيرة، ما يخوضه الباحثون الجادون في مختلف المجالات من ضغوط نفسية تعرضهم لمتاعب صحية يعرفونها جيداً.

ولكنهم لا يتوقفون عن إجراء بحوثهم، إيماناً منهم بأن رسالتهم في خدمة مجتمعاتهم تستحق العناء والتضحية.

Email