لماذا بات «أنور إبراهيم» قلقاً على مستقبله؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن «أنور إبراهيم»، المفترض توليه قيادة ماليزيا سنة 2020 خلفاً لزعيمها الحالي مهاتير محمد، طبقاً لاتفاقية تحالف أبرمها الرجلان في منتصف 2018 (قبيل الانتخابات العامة الماضية) بهدف حشد قواهما وأنصارهما من أجل الإطاحة بخصمهما رئيس الوزراء السابق «نجيب رزاق»، على خلفية قضايا فساد ومحسوبية، بات قلقاً على مستقبله السياسي، وتساوره الشكوك حول وفاء مهاتير بوعوده.

ودليلنا هو خروج إبراهيم علناً في مقابلة مع تلفزيون «بلومبرغ» مؤخراً ليقول (رداً على سؤال عما إذا كان انتقال السلطة إليه سوف يتم كما هو مقرر): «هناك تفاهم على أن مهاتير سوف يستقيل في الوقت المناسب، وينبغي أن يتم ذلك كما هو مقرر، لكنني لا أعتقد أنه يجب عليّ التشدد حول اليوم والشهر».

ورغم نفي إبراهيم وجود محاولات من قبل مهاتير لتجاوزه والإتيان بغيره، فإن شائعات راجت في الفترة الأخيرة مفادها أن مهاتير يحضر لتوريث السلطة لنجله رجل الأعمال «مخريز مهاتير»، أو لصديقه «محمد عزمين علي» الذي يتولى منذ 2018 حقيبة الشؤون الاقتصادية، وكان سابقاً رئيساً لحكومة ولاية سيلينغور.

والحقيقة أن لمهاتير ذكريات وحوادث كثيرة مع من خلفوه ومن كانوا سيخلفونه في السلطة، ولم يخلفوه لأسباب كثيرة، تشهد على ذلك الحملة الشعواء التي أطلقها في بدايات صعود نجمه السياسي ضد أول زعماء البلاد «تنكو عبد الرحمن» والتي أثمرت في النهاية عن استقالة الرجل عام 1970، ومجيء تون عبد الرزاق الذي أعاد مهاتير للحزب الحاكم (حزب أومنو) من بعد أن كان قد طـُرد منه في 1969 بسبب هجومه اللاذع على عبد الرحمن، كما قام عبد الرزاق بتعيينه سيناتوراً سنة 1973 ووزيراً للتعليم سنة 1974، الأمر الذي ساعده كثيراً على خوض انتخابات 1974 العامة والفوز بمقعد نيابي.

لكن كل هذا لم يحل دون تسديد مهاتير ضربة لابن عبد الرزاق (نجيب رزاق) بإخراجه من السلطة في العام الماضي.

ومما يـُذكر أيضا أنه حينما توفي عبد الرزاق سنة 1976 وخلفه نائبه حسين عون، جرت معركة حامية للحصول على منصب نائب رئيس الحكومة (منصب يؤهل صاحبه للوصول إلى زعامة البلاد أوتوماتيكياً إذا ما حدث فراغ في السلطة).

وقد دارت المنافسة بين مهاتير وعبد الغفار بابا (رئيس وزراء ملقا السابق) وتنكو رضا لاي حمزة (من عائلة سلطان ولاية كلينتان).

لاحقاً، تمكن مهاتير من التقرب من عون المعتل صحياً، وأقنعه بأحقيته بالمنصب، وقد ساعده في ذلك عدم حصول عبد الغفار على قدر عال من التعليم وعدم إجادته الانجليزية، وعزوبية «تنكو رضا لاي» وصغر سنه ومحدودية خبرته السياسية.

وهكذا أزاح مهاتير الرجلين من طريقه وصار نائباً لرئيس الحكومة، ومن ثم رئيساً لها بدءاً من يوليو 1981 أي بُعيد اعتزال عون. وقتها اختار مهاتير «موسى حاتم» نائباً له لكن سرعان ما أطاح به في 1986، وسط خلافات حركتها سياسات مهاتير الرامية لتقليص نفوذ سلاطين البلاد.

وفي مطلع التسعينات وقع اختيار مهاتير على أنور إبراهيم ليكون أولاً وزيراً للشباب والرياضة، قبل أن يمسكه حقيبة التعليم، ثم يرقيه بمنحه منصبي نائب رئيس الحكومة ووزير المالية، وذلك من بعد أن أتى به من زعامة حركة الشباب الإسلامي الماليزية ومنحه عضوية «أومنو».

نما الاقتصاد الماليزي بمعدلات كبيرة حتى 1997، في تطور أرجعه الكثيرون إلى مهارة إبراهيم في قيادة وزارة المالية، غير أن ماليزيا واجهت ظروفاً اقتصادية صعبة بسبب تداعيات أزمة 1998 النقدية الآسيوية.

وقتها استطاع مهاتير، عبر رفض توصيات البنك الدولي ومقترحات فريقه الاقتصادي، أن ينقذ ماليزيا من أزمتها، وهو ما ساهم في زيادة شعبيته.

ولأن إبراهيم بدا في هذه الفترة منتقداً لسياسات سيده، خصوصاً لجهة إفساد علاقة ماليزيا بالبنك الدولي وواشنطن، فقد تقرر الإطاحة به بأسلوب مهين ومذل عبر اتهامه بممارسات غير أخلاقية، والعمل لصالح المخابرات الأمريكية، والسرقة والفساد، وقبض العمولات، مما تسبب في حدوث انقسام وطني حاد في البلاد.

في أكتوبر 2003 تخلى مهاتير عن الحكم طواعية وهو في أوج تألقه، وهو أمر يحسب له خصوصاً أنه تعهد باعتزال السياسة بالكامل ورفض أي دور فخري في ظل حكومة الرجل الذي اختاره بنفسه كخليفة له وهو عبد الله أحمد بدوي.

لكن مهاتير دشن في 2006 حملة انتقادات مريرة ضد بدوي، واصفاً إياه بـ «الرجل الرخو» غيرالصالح لقيادة ماليزيا، ثم بدأ يخطط للإطاحة به لأسباب قيل أنها متعلقة بإقالته لعدد من أتباع مهاتير في الشركات المملوكة للدولة.

وبعد انتخابات 2008 التي خسر فيها «أومنو» أغلبية الثلثين، استقال مهاتير من عضوية الحزب، وتم اختيار نجيب تون رزاق بديلاً لبدوي. وقتها منح مهاتير دعمه لرزاق وأثنى عليه، لينقلب عليه بعد 9 سنوات عبر التحالف مع غريمه السابق أنور إبراهيم.

Email