عفواً.. العالم مع سوريا

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أن أمواج الخلافة الوهمية لفظته إلى شواطئ الانتحار السياسي، تداخلت أوراقه، فقد بوصلته وتوازنه. يقدم رقصته الأخيرة بعد أن اهتزت الأرض تحت قدميه في الداخل. طبيعته «السيكوباتية» جرفته إلى العيش في دائرة الـتآمر.

الرئيس التركي رجب طيب اردوغان اتخذ قرار احتلال شمال شرق سوريا، وظن انه سينجح في خداع العالم بهذا القرار، لكنه فوجئ بأن دول العالم أجمع تقف ضده وترفض هذا الاعتداء الغاشم على دولة ذات السيادة وعضو في الأمم المتحدة وعضو مؤسس في جامعة الدول العربية.

حسابات الرئيس التركي قطعاً خاطئة وستكون الخسائر الكبرى على حساب الشعب التركي الذي يدفع يومياً فواتير الصلف والحماقة الأردوغانية.

السيناريوهات الوهمية التي اتخذ بموجبها أردوغان قرار العدوان على سوريا سيكون لها نتائج وهمية في مقدمتها: أن هذا العدوان التركي سيعطي قبلة الحياة لتنظيم «داعش» في سوريا، وأنه سيجدد طاقات التنظيم وسيعيد انتشاره وهيكلته من جديد ليس فقط في سوريا والعراق، ولكنه سيقفز إلى مناطق وعواصم عربية عديدة، فالخلايا النائمة لهذا التنظيم موجودة بكثافة وتنتظر من يحمي ظهرها لتعيد نفوذها السابق في بعض العواصم، وهو ما خطط له أردوغان ونفذه عبر اتصالات جرت بين نظامه وقادة التنظيم، وهذا الهدف شهدنا نتائجه إذ إن أول ضربة جوية استهدفت سجن «جركين» بالقرب من القامشلي، وهذا السجن يضم أخطر مقاتلي «داعش».

إذاً الهدف كان محدداً وهو تهريب أخطر العناصر الإرهابية للاستعانة بهم في دول وعواصم أخرى يسعى الرئيس التركي إلى العبث بداخلها ويعمل على صناعة موجة جديدة من الفوضى والتخريب الذي بدأ مع ما يسمى بالربيع العربي عام 2011.

وبالتالي فإن إحياء ودعم تنظيم «داعش» هدف استراتيجي لهذا العدوان التركي على سوريا.

أيضاً تتضمن خطة أردوغان بالعدوان على سوريا خلق حالة مستمرة من التأزم وعدم الاستقرار داخل سوريا فهو يهدف إلى إعادة حوالي مليوني سوري يعيشون في تركيا إلى مناطق يسكنها الأكراد المختلفون معه، وهنا يُشعل فتيل عربي كردي ينشغل به الأكراد بعيداً عن خلافاتهم معه، وبذلك يُرضي القوميين الأتراك الذين يتحالفون معه ويدعمونه ضد المعارضة التركية، وهذا ليس جديداً فالتاريخ يشهد بأن هؤلاء القوميين الأتراك هم الذين ارتكبوا جميع المذابح والجرائم ضد العرب والأرمن.

الشيء الذي يستحق التوقف أمامه أيضاً في ظل هذا المشهد هو أن المسافة التي يريد السيطرة عليها تضم 90% من الاحتياطات السورية من النفط و60% من الغاز وهو ما يعوض فشل تركيا في اكتشاف غاز شرق المتوسط.

كل ما سبق ذكره يأتي في سياق خطة أردوغان لتحقيق أطماعه وأوهامه في الخلافة والعودة إلي حدود ما قبل اتفاقية لوزان عام 1923 إذ إنه يرى أن هذه الحدود تم فرضها على تركيا، ويرى أن الوقت مناسب لإعادة سيطرة تركيا على المشرق العربي، وهذه الفكرة تسيطر بقوة على عقل وتفكير الرئيس التركي والدليل على ذلك جهوده المبذولة في التواجد «الميليشياتي» في طرابلس ومصراته إذ يرى أن هناك امتداداً تركياً في ليبيا لابد من العودة إليه مرة ثانية، غير أنه يؤكد هذا المعنى أيضاً بوضعه «الليرة الموصلية» في الميزانية التركية وبهذا المعنى فهو يعتقد بأن الموصل جزء من مشروع الخلافة الوهمية.

ربما تكون هذه رؤية أردوغان في اتخاذ مثل هذا القرار ضد سوريا لكن عليه أن يعلم أن تداعياته وتبعاته سوف تكون وخيمة، وأنه لن يحصل على مباركة أي من الدول التي يتوهم أنها ستدعمه، فالقوانين الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن وجامعة الدول العربية لن تترك سوريا في العراء «للعثمانلية»، هذا فضلاً عن أن أردوغان نجح بامتياز خلال الفترات الماضية أن يخسر الجميع، وحول تركيا من صفر أعداء إلى صفر أصدقاء، ويخاطر الآن باستعداء الأكراد الأتراك بضرب ذويهم من أكراد سوريا.

كما أن الخناق سيضيق على الرئيس التركي بحزمة من العقوبات الأمريكية سيفرضها الكونغرس ويتبناها السيناتور لينيزي غراهام بسبب قرار العدوان على سوريا.

إذاً نحن أمام مقامرة سيكون الخاسر الأول فيها هو الرئيس التركي، وأن التوقيت في صالح سوريا وليس في صالح أردوغان، لا سيما أن الجميع يتعاطف ويدعم الموقف السوري.

Email