من موقع الدفاع إلى مواقع الهجوم

ت + ت - الحجم الطبيعي

لعل التصريح المهم الذي أدلى به أخيراً الرئيس السيسي في نيويورك أثناء لقائه، مع الرئيس الأمريكي ترامب.

وأوضح فيه أن تمسك تيار الإسلام السياسي بالصعود إلى السلطة بأي ثمن، هو سبب الفوضى السائدة الآن في دول المنطقة، ووراء عدم استقرارها، وأن الشعب المصري رفض حكمه حين صعد للسلطة لمدة عام ولا يقبل بعودته مرة أخرى، لعله أن يشكل بداية جديدة في مصر ودول المنطقة للإمساك بزمام المبادرة، والانتقال من موقع الدفاع عن النفس، إلى مواقع الهجوم.

واقتلاع هذا المرض السرطاني التخريبي والفوضوي الذي زرعته جماعة الإخوان منذ نحو تسعين عاماً صار مهمة عاجلة، لمحاصرة تلونها كالحرباء، لتبقى في المشهد السياسي.

كما فعلت في مصر والسودان والجزائر وغزة وتفعل الآن في تونس، بجانب العلاقات الوثيقة التي تربطها بمنظمات الإرهاب الجهادي التي خرجت من معطفها كالقاعدة وداعش وجبهة النصرة، حيث كان قادتها أعضاء في جماعة الإخوان، قبل أن يتجهوا إلى تأسيس الشبكات الإرهابية الخاصة بهم!

والأسبوع الماضي أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكماً بالسجن المشدد (25 سنة) على 19 متهماً من قيادات جماعة الإخوان بينهم المرشد العام لها في قضية «اقتحام الحدود الشرقية» بتهم التجسس والمساس بأمن البلاد وسلامة أراضيها وجرائم القتل والشروع فيه ونشر الفوضى والتخريب العمدي وحرق المنشآت العامة ونهب محتوياتها، وتهريب نحو عشرين ألفاً من المساجين بتهم جنائية.

من بين المحكوم عليهم في تلك القضية من قادة الجماعة من وقف خطيباً في اعتصام ميدان رابعة العدوية وسط القاهرة في السابع من أغسطس 2013، قبل أسبوع من فضه، ليعلن بفخر أن جماعة الإخوان رفضت عرضاً من مؤسسة الرئاسة بقيادة المستشار عدلي منصور لإنهاء الاعتصام، مقابل الإفراج عن قادتها، وأن الزحف على القاهرة سيبدأ في اليوم التالي لخطابه.

وأن خطوات تصعيدية سوف تتخذ لتحول مصر إلى ساحة من التفجيرات والاغتيالات - وهو ما حدث بالفعل - وأن مرسي عائد إلى سدة الرئاسة في ذكرى غزوة بدر، بعد أن أعلن أحدهم أن سيدنا جبريل بين المعتصمين في رابعة،.

وأن الرسول عليه السلام قد ظهر في رؤيا يشير فيها إلى الرئيس مرسي أن يؤم المصلين بدلاً منه، وغير ذلك من الخزعبلات والدجل باسم الدين، لتوظيفه للتلاعب بالعقول، واستغلال العواطف الدينية الجارفة لدى الجماهير، للوصول إلى السلطة، بوسائط ديمقراطية هشة، ثم الانفراد بها.

والمدهش أن تلك الخطب العنترية انتهت بهروب قادة الجماعة من الميدان قبيل ساعات من فض الاعتصام، تاركين أعضاءها وأنصارها في الميدان، بعد أن تلاعبوا بمشاعرهم الدينية، فضلاً عن التهديد والوعيد، لمنعهم من مغادرة الاعتصام، ليتبين لكثيرين من بينهم فيما بعد، المسافات الشاسعة بين أقوال الجماعة وأفعالها، وبين الأوهام التي تروجها والحقائق الماثلة على الأرض.

وفي كتاب «تاريخ الإرهاب المتأسلم في مصر» يسرد مؤلفه المحلل السياسي والرئيس الشرفي لحزب الوفد «أحمد عز العرب» تاريخاً مشيناً لنشأة جماعة الإخوان، يكشف عن تقلباتها وانتهازيتها السياسية، وارتباط نشأتها عام 1928 بقوى الاستعمار العالمي. ليس هذا فحسب، بل كذلك استنادها في صراعها السياسي بالعنف وممارسة الإرهاب والقتل والتدمير منذ عهد الملك فؤاد، مروراً بالملك فاروق،.

وصولاً إلى مصر الجمهورية في مختلف عهودها وحتى الآن، من أجل القفز إلى السلطة بأي سبيل، ولإحياء نموذج الدولة العثمانية الذي كان قد سقط قبل نشأة الجماعة بأربعة أعوام، بعد أن كان قد قاد المجتمعات الإسلامية أربعة عقود، إلى عصور الظلام في القرون الوسطى، مستخدماً الدين كسلاح لترسيخ الاستبداد السياسي، وقمع الشعوب ونهب ثرواتها.

يوضح الكتاب بالتفصيل، كيف استعانت جماعة الإخوان بقوى خارجية لتعزيز مكانتها الداخلية، وكيف تحالفت مع أنظمة الحكم ضد معارضيها، ثم انقلبت عليها، وكشف طبيعة الصفقات التي سمحت لها بالعودة لممارسة النشاط، بعد نحو عشرين عاماً من حظر نشاطها وملاحقة قادتها ومحاكمتهم في عهد الزعيم جمال عبد الناصر.

ويلقي الضوء على الاتفاقات السرية التي عقدتها الجماعة مع الولايات المتحدة الأمريكية لتنفيذ مخطط إدارتها في شائعة ما أسمته بالفوضى الخلاقة لبناء شرق أوسط جديد، وهو ما سهل للجماعة حكم مصر لعام كارثي في تاريخها المعاصر.

الأدلة أكثر من أن تحصى على الخطر الذي باتت جماعة الإخوان تمثله على الأمن القومي لبلادنا، ولا سبيل أمام استقرار أوطاننا وحماية أمنها القومي، سوى بجهد جماعي يقتلع تلك الجماعة من مؤسسات الدولة والحكم والمجتمع في بلادنا، ويقضي على آثارها التخريبية في النفوس والعقول.

والانتقال من موقف الدفاع إلى الهجوم، يتطلب منْ يتقدم، ليضع الجرس على رقبة القط!

Ⅶ رئيسة تحرير جريدة «الأهالي» المصرية

 

Email