المحاور الأربعة لتعزيز الاستقرار

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحرص دولة الإمارات في شتى المحافل الدولية، على نشر ثقافة السلم والاستقرار، والدعوة المستمرة لإحلال السلام بين دول العالم، وإنهاء الحروب والصراعات، وتوفير سبل العيش الكريم لشعوب الأرض، في ظل الرؤية الإماراتية التي تميزت بالعناية بالإنسان، وحفظ كرامته وصيانة حقوقه.

والتي غرسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مؤسس دولة الإمارات، طيب الله ثراه، ويكمل مسيرتها، القيادة الحكيمة، لتصبح العناية بالإنسان قيمة سامية، لها الأولوية الكبرى في سياسة دولة الإمارات داخلياً وخارجياً.

ومما يعكس ذلك، خطاب دولة الإمارات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ 74 في نيويورك، والذي أدلى به سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، حيث أكد سموه على أهمية السلام، كركيزة لبناء عالم حضاري، وكضرورة لا غنى للمجتمعات عنها، داعياً إلى الحلول المستدامة، التي من شأنها تحقيق ذلك، والتي تصب في حفظ كرامة الإنسان، وحفظ حقه في عيش كريم آمن.

وقد أشار سموه في خطابه، إلى أربعة محاور، من شأنها تعزيز السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، وأول هذه المحاور، تعزيز تنفيذ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، لمنع انهيار النظام الدولي والعلاقات بين الدول، وما يتطلبه ذلك من ضرورة تنفيذ الدول لالتزاماتها القانونية، وحفظها لمبادئ حسن الجوار، ومحاسبة الدول التي تنتهك القوانين الدولية.

وهذا مطلب ضروري لحفظ العلاقات السلمية بين الدول، والإخلالُ به له عواقب كبرى، ففي خرق القوانين الدولية نشر للفوضى، وتهديد للعلاقات السلمية بين الدول، وخاصة في العصر الحديث، الذي شهد تطوراً هائلاً في جميع القطاعات، بما في ذلك القطاعات العسكرية، فأصبحت الأسلحة أكثر تدميراً وفتكاً في القرنين الأخيرين، وظهرت أسلحة لم تشهد البشرية نظيراً لها في القرون السابقة.

كالقنابل النووية والطائرات المسلحة بدون طيار والأسلحة الإلكترونية الفتاكة السريعة التطور وغيرها، وبحسب «Hans M. Kristensen» مدير مشروع المعلومات النووية في اتحاد العلماء الأميركيين، و«Robert S. Norris» كبير زملاء في اتحاد العلماء الأمريكيين في واشنطن.

فإنه يوجد الآن أكثر من 15 ألف سلاح نووي في العالم في 14 دولة، 1800 منها في حالة تأهب قصوى، وجاهزة للاستخدام في وقت قصير، ذلك الذي يتزامن مع انتشار الصراعات المختلفة في العالم، فقد أظهر مؤشر السلام العالمي لعام 2018، انخفاض مستوى السلم في جميع أنحاء العالم، وخاصة في الشرق الأوسط، بسبب الصراعات الداخلية والتهديدات الإرهابية.

إن هذا الواقع المؤلم، يتطلب من دول العالم تضافر الجهود للمحافظة على روابط السلم، وتعزيز تنفيذ جميع الدول بالتزاماتها الدولية، ومحاسبة الدول الخارجة على القانون، وعدم التهاون معها لأي غاية من الغايات، لأن هذا التهاون سيفتح ثغرة في جدار النظام الدولي، وقد يتسع هذا الخرق، ما يؤدي إلى انفراط عقد النظام الدولي، وانهياره، فاستهتار أي دولة بالقوانين الدولية تهديد للعالم أجمع.

وأما المحور الثاني الذي ذكره سموه، فهو تمكين المنظمات الإقليمية من القيام بدور أكبر في معالجة التوترات الإقليمية، وتحقيق الأمن والاستقرار، وأن تقوم الأمم المتحدة بتعزيز مشاوراتها مع هذه المنظمات عند مناقشتها للقضايا الإقليمية، وهذا محور مهم جداً، فهو يساعد على تنسيق المواقف بين منظمة الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، مثل مجلس التعاون الخليجي، وجامعة الدول العربية.

والاتحاد الأفريقي وغيرها، ويساعد على وضع الخطط المثلى لاحتواء الأزمات وحل الصراعات، ويمنع التدخلات الخارجية السلبية، التي تزيد من أمد الصراعات، وتجعل من مناطق الصراع مناطق تجاذب مصالح بين القوى الدخيلة، ما يحول دون إخماد نيران الصراعات، بل يؤدي إلى إطالتها، وزيادة حجم الخسائر فيها، وخاصة الخسائر البشرية، قتلاً وتشريداً وتهجيراً ومعاناة وانتهاكاً للحقوق.

وأما المحور الثالث الذي ذكره سموه، فيتعلق بتعزيز العمل السياسي، وجعله أكثر فاعلية في تهدئة التوترات وحل الأزمات، لتلبية التطلعات المشروعة للشعوب، وهذا هو البديل عن التصارع والتنازع والاقتتال.

فبالتحاور والتفاوض وإعمال العقل والحكمة، تُحَل الأمور، وتتوصل الأطراف إلى اتفاقيات معقولة ترضي الجميع، ورُب طاولة حوار تكون سبباً للم الشمل وحقن الدماء، ورُب رصاصة واحدة هوجاء، تشعل حروباً طاحنة لا نهاية لها، ولقد حرصت دولة الإمارات في مختلف القضايا والملفات، على دعم المسار السياسي.

ومن ذلك، على سبيل المثال، مشاركتها في المبادرة الخليجية عام 2011 لحل الأزمة اليمنية، والتبادل السلمي للسلطة في اليمن، وكادت هذه المبادرة أن تنجح، لتعيد لليمنيين أحلامهم، لولا عدوان الحوثيين وانقلابهم على الشرعية، والذي أدخل اليمن في نفق مظلم، ومن هنا، جاءت مشاركة دولة الإمارات ضمن قوات التحالف العربي في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية، لاستعادة الحكومة الشرعية اليمنية، وإعادة العملية السياسية إلى مسارها الطبيعي.

وأما المحور الأخير الذي ذكره سموه، فهو التركيز على التنمية والاستثمار في نهضة الشعوب، سواء عبر المساعدات الإنسانية أو المشاريع التنموية، أو التوعية الثقافية بمحاربة التطرف والإرهاب، ونشر قيم التسامح والاعتدال، وتعتبر دولة الإمارات، من أكبر الدول المانحة للمساعدات الإنسانية على مستوى العالم، وهي دائماً سباقة لتقديم يد العون للمحتاجين والمنكوبين في كل مكان.

إن دولة الإمارات صرح شامخ مشرق، ودولة رائدة ملهمة، تصدح بقيم السلام والاستقرار، لتحقيق الخير والسعادة للبشرية جمعاء.

* مدير عام مؤسسة رأس الخيمة للقرآن الكريم وعلومه رئيس مركز جلفار للدراسات والبحوث

 

Email