التزوير المستقبلي

ت + ت - الحجم الطبيعي

عمل صناع السينما الأمريكية على تبديل الممثل «بول ووكر» في الجزء السابع «فوريوس 7»، من سلسلة الأفلام الشهيرة «فاست أند فوريوس».

والذي تم إنتاجه عام 2015، وذلك بعد أن كان الممثل ووكر قد توفي إثر حادث سيارة قبل الانتهاء من تصوير الفيلم، وكان مخرج الفيلم قد استعان بأخ الممثل بول ووكر، وقام فريق العمل بتبديل ملامح وجه الأخ، ليطابق ملامح وجه الممثل بول ووكر، ليس بالمكياج هذه المرة، إنما بتقنيات «التزييف العميق DeepFake».

والتي تعمل على دراسة ملامح الوجه بجميع تفاصيلها، لتسمح بتركيب أي صورة مكان هذه الملامح، وبدقة عالية، تكاد لا تميزها، حتى وإن كنت خبيراً.

أن تقوم السينما الأمريكية بمثل هذا العمل، فالأمر معتاد وبسيط، فالتقنيات السينمائية باتت اليوم ضرباً من الخيال في قدراتها على صناعة المشاهد السينمائية، ولكن أن يتحول هذا الأمر ليصبح متاحاً للاستخدام العام، عبر تطبيقات الهواتف، فهذا أمر مرعب.

وقد انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقطع يظهر فيه شخص ليقوم بتصوير نفسه، ورفعه على أحد تطبيقات التزييف العميق، مع مقاطع لأفلام الممثل الأمريكي ليوناردو ديكابريو في فيلم «التايتنك»، ودمج التطبيق الصورة، ليصبح هذا الشخص بطل الفيلم بدلاً من ديكابريو، ومن شاهد الفيديو، سيعلم أن الرعب قادم، فالدقة في الفيديو عالية جداً، ولو أننا لا نعرف ديكابريو جيداً، ونعرف الفيلم، لاعتقدنا أن هذا الشاب هو الممثل الحقيقي للفيلم.

قام الشاب باستخدام تطبيق ZAO الصيني في تركيب صورته على مقاطع الأفلام، وقد أشار الكثير من المتخصصين، بأن التطبيق لا يحتاج منك سوى صورة واحدة، ومن زاوية واحدة، وهو سيتولى رسم ملامح وجهك من جميع الاتجاهات والإسقاطات.

وهذا الأمر ينبئ بمستقبل مرعب جداً في عوالم التزييف العميق، وسيفتح المجال أمام أطفال ومراهقين وشباب ومنظمات وحكومات، للسعي لتزييف الحقائق، صحيح أن هذا الأمر وهذه التقنية تم استخدامها بكثرة خلال السنوات الماضية في تصوير بعض القادة الأمريكيين، وهم يدلون بتصريحات خطيرة.

كما شاهدنا عندما انتشر فيديو للرئيس باراك أوباما قبل سنوات، وهو يقول كلاماً خطيراً، ولكن حينها كان الفاعل شخص مختص يريد تجربة التقنية، لكن أن تصبح هذه التقنية متاحة وبسهولة بين يد الجميع، فالخطورة ستزيد وستزداد المشاكل.

تخيل معي أن يقوم شخص بتزييف فيديو مخل لأي سيدة محترمة، وهو لا يحتاج إلى أن يقوم بتحميل إحدى صورها من مواقع التواصل الاجتماعي، أو يقوم شخص ببث رسائل مغالطة على لسان أحد المسؤولين، أو حتى على لسان رؤساء وملوك الدول، أو تقوم منظمات تخريبية في توريط أشخاص بقضايا غير مشروعة، أو أن تتقدم التقنيات لتصبح مخترقة لكاميرات المراقبة، فكيف يمكننا معرفة الجاني، وقد تم تغيير شكله وملامحه بواسطة هذه التقنيات.

يقول المتخصصون في تطوير هذه التقنيات، إنه خلال السنتين القادمتين، أو الثلاث سنوات بأقصى تقدير، سيصبح إنتاج الفيديوهات بتقنيات التزييف العميق، أكثر تطوراً، وتكاد لا تستطيع اكتشافها، حتى ولو كنت متخصصاً.

على المجتمعات أن تعي وتثقف نفسها حول هذه التقنيات، وما يستجد في عوالمها، فقد تخلق الكثير من المشاكل الأسرية والاجتماعية، إثر قيام شخص بممازحة شخص آخر، أو حتى توريطه في أمور هو بريء منها، على سبيل التجربة، أو حتى العمد.

قبل عشر سنوات أو خمس عشرة سنة، كنا نخاف من تلفيق الصور باستخدام الفوتوشوب، والآن ها نحن على موعد من التخوف من تلفيق الفيديوهات، وقريباً سيصبح متاحاً التزوير في كل شيء، حتى الأصوات ستقلد وبشكل احترافي، وعندما يتم دمج الصوت والصورة والحركة، فسيصبح أي شخص قادراً على إنتاج محتوى لا يشق له غبار في الجودة، ما سيصعب علينا اكتشاف التزييف الذي حدث.

التزييف العميق تقنية مرعبة، علينا أن نستعد لاستقبالها واستقبال مفاجآتها في المستقبل القريب، ومن المهم جداً أن نستوعب ما يمكننا فعله في مواجهة هذه العمليات، من العمليات التخريبية التي ستطال مجتمعاتنا وأسرنا، وحتى دولنا.

كاتب وإعلامي

 

Email